... أقولها و أبكي

اليوم، و على غير عادتي يوم الأحد، وجدتني منشرحة الصدر، نشيطة، مندفعة إلى الحياة. كيف لا و قد عوضت حرمان أسبوع كامل من النوم ؟ و هاأنذا أنعم بالظل الوافر بين جدران بيتي حيث لا يمكن للنظرات الوقحة أن تطاردني و لا للتعليقات الفارغة أو الكلمات النابية أن تطالني، اليوم أنا في حِلّ من شوارع وطني المسلم بالوراثة، أنا في راحة أسبوعية من ضوضاء السيارات و تشاجر سائقي الأجرة و تباطؤ الحافلة العجوز في طريق العودة اللا متناهي..

شرعت في القيام ببعض الأعمال المنزلية بشغف المرأة المنقطعة عن بيتها منذ أسابيع، ثم خرجت لأنشر الغسيل فاستقبلتني شجرة الياسمين بأغصانها الممتدة على السقف الحديدي الرفيع، وأوراقها التي حيرت أشعة الشمس فلم تعرف طريقها إلى وجهي إلا بجهد جهيد، ثم طالعني جبل إشكل من بعيد و استسلمت للنسمات الربيعية تداعبني و رائحة الصابون الأخضر تخترقني، و إذا بالسعادة من دون سابق إنذار  تغمرني. لحظة صفاء و نقاء، لحظة تواصل و التقاء مع الطبيعة و الجمال، فحمدت الله المصور ذا الجلال، حمدته على نعمه الجمّة التي أغدقها عليّ، حمدته لأني في صحة و شباب، في قوة و نشاط، في رضا تام على التّواب وتذكرت حديث الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام : "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا "

شعرت بأني ملكة، غنية عن العالمين برب العالمين  فالحمد لله رب العالمين، الرحمان الرحيم، يا رب لك الحمد حمدا كثيرا، طيّبا، مباركا فيه ... !I felt like the world is mine 

أجل كنت سعيدة لكن سعادتي ذكرتني بنشرة أخبار البارحة و معاناة إخواني في سوريا، تذكرت أحوال اللاجئين السوريين إلى تركيا بلدي الأصلي، الذي يجري مني مجرى الدم. تركيا فتحت قلبها لسوريا تماما كما فتحت تونس قلبها لليبيا و للعالم.. كانت غمامة سوداء عكرت صفو سمائي الزرقاء، حسبي نصيبي من السعادة اليوم، كيف أسعد و إخواني في سوريا، أو بينها و بين تركيا،  ليسوا آمنين في سربهم، وفي كثير من الأحيان غير معافين في بدنهم و حتما ليس لهم قوت يومهم، بل لا يعرفون إذا عاشوا اليوم، غدا ما ينتظرهم، و كم من الأبناء سيشيعون إلى قبورهم، و كم من الشباب سيراق على الإسفلت دمهم، و كم من الوقت سيحدقون في ظلام الليل غير قادرين على النوم في العراء، مرهفين السمع و منصتين إلى نباح الكلاب و إلى العواء، ذئاب تترصدهم، بالموت تعدهم فما ذنبهم برب السماء؟ حرية...

الحرية لسورية .. أقولها و أبكي..