7/16/2014

نصرة فلسطين بآهدنا الصراط المستقيم



تذهب إلى العمل فتجد زميلتها المحجبة ترتدي قميصا قصيرا ضاق به بدنها السخي حتى لتكاد أزراره تنفك فكا وسروالا لا يدع لتضاريس جسمها سرا خفيا ولا سترا. فتقول في نفسها تبا لنا مازال تحرير فلسطين بعيدا عن أيادينا!

وتتذكر كيف سمعت زميلتها هذه مرارا وتكرارا وهي تسرد قصة التزامها بالحجاب وكيف تمّ ذلك بأعجوبة خارقة وكيف خرجت يوما وقد غطت رأسها بحركة آلية لا شعورية ومذ ذاك الحين وهي متحجبة. تتذكر بريق عينيها والحماسة في صوتها وهي تحكي تفاصيل توبتها وتضفي عليها وقارا يجعلك تظن أنك بصدد الاستماع لقصة رابعة العدوية. كانت في الأول تتأثر بتلك القصة كما تتأثر بأي قصة إنابة وتوبة، لكنها أخيرا لم تعد تصدق لمعان العينين وارتجاف الصوت وحركة اليدين. اليوم ترى الحجاب يُستهزأ به ويُستخف به. أهذا هو لباس الحياء الذي أمر به رب السماء؟

يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُون

(الأعراف ٢٦)

ولم تتمالك أن أخبرت زميلتها بأن قميصها قصير جدا ونصف شعرها الأملس يطل من تحت خمارها. تلعثمت الأخرى وقالت بأنها لم تكن تحسب القميص قصيرا إلى تلكم الدرجة.
لم تكن تحسب؟!

ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين وهديناه النجدين

(البلد ٨-١٠)

امرأة جاوزت الأربعين وحباها ربها بزوج من الأعين حادة البصر وعقل رصين بعيد النظر تقول بأنها لم تتفطن إلى قصر القميص الذي لا يستر حتى مؤخرتها؟ امرأة تروي كيف شهدت احتضار جارتها وموتها بين عشية وضحاها، أفلا تعتبر؟ ما بال قلوبنا صدئت؟ ما بال عقولنا خربت؟ هذا هو فعلا نقص العقل والدين. هذه أم المصائب، مسكينة فلسطين!
لم تتركها، كانت غاضبة لدين ربها، قالت كيف لم تتفطنين إلى قِصر القميص؟ ألا تشعرين بما تلبسين (أو الأحرى بما لا تلبسين) ؟ همهمت أنها كانت تسارع بالخروج إلى العمل.

كان عليك ألا تخرجي هكذا وما "العمل"؟

تعلم جيدا أن "العمل" ليس السبب، ففي عملها لا توجد أي ضغوطات ورئيسها متسامح إلى حد السذاجة فعن أي عمل تتحدث؟ وحتى لو كان رئيسها صارما وعشرات الملفات بانتظارها فلا يحق لها أن تخرج متحللة من لباس الحشمة والعفاف بعد أن أعلنت التوبة والكفاف.
ألجمت لسانها حتى لا تقول لها إن قميص زميلتها سندس غير المحجبة أطول من قميصها ولباسها أستر من لباسها بل لعل حالها أفضل من حالها فهي لا توهم نفسها والناس بأنها متحجبة متعففة، بل تحترم الحجاب وتحسب له ألف حساب حتى إنها تؤجل الالتزام به خوفا من عدم النهوض بمسؤوليته وهي طبعا مخطئة لكن عس الله أن يتوب عليها.

ألا تخافين يا أمة الله يا مسكينة أن يصح فيك قول النبي صلى الله عليه وسلم :

صنفان من أهل النار لم أرهما. قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس. ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا  يجدن ريحها. وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا

أظنّت بأنها أرضت ربها لمجرد أن غطت شعرها ... بنجاح متفاوت؟ لك الله يا فلسطين يا لرداءة المسلمين. لا تصدقي تلك الدموع، هم يبكون على أطفالك كما يبكون على أبطال المسلسلات الهابطة. هم يتذكرونك في المواسم والأعياد عندما تطالك يد البطش بعدوان أقسى من المعتاد. سيبكونك يوما أو يومين، سيتناقلون أخبارك في العالم الأزرق، سيدعون لك خلف الأئمة، سيكتبون فيك قصائد ومرثيات ثم سيعودون إلى غفلتهم بمجرد تقهقر العدو بضع خطوات. لن يغيروا شيئا في حياتهم، لن يغيروا ما بأنفسهم، لن يحافظوا على صلواتهم ولن يخرجوا زكاة مالهم ولن يصوموا إلا عن الأكل والشراب ولن يحفظوا ألسنتهم ولن يوفوا بعهودهم ولن يلتزموا بالحجاب. سيقولون لم أتفطن إلى قصر القميص، كنت متأخرة عن العمل، لا وقت لي للمطالعة وطلب العلم، لم أختم القرآن منذ رمضان الفارط، لقد زاد وزني في رمضان، كل يوم نلقي بخبزتين في القمامة، لن أخرج صدقة يكفي أني أخرجت الزكاة، لا حاجة لي في التبسم في وجه جارتي، خالي لم أره منذ سنتين، أمي أرهقتني بطلباتها، ما عدت أحتمل طبع أبي، لا أريد أن أدرّس إخوتي الصغار، لا أحب ممارسة الرياضة دعني أنم إلى منتصف النهار، سأقترض من البنك الربوي لأبني بيتا أو لأشتري سيارة، سأحتال في العمل، سأطفف في الميزان، سأغش في الامتحان، ماذا لو كذبت كذبة بيضاء؟ سأخرج مع خطيبي وسأدعه يمسك يدي فهو زوجي في المستقبل، سأغتاب زوجي، سأهمل نفسي لا حاجة لي في الزينة وقد صرت محجبة، لن أترك الحداد على أبي لأربعين يوما، سألبس السواد ولن تمس يدي عطرا حتى ينقضي العام، هذه أمي رحلت ... أمي التي كنت أتشاجر معها وأرفع صوتي فوق صوتها، سيكون حفل الزفاف مختلطا لكن لا بأس ليس هناك غريب، ستكون حفلة محترمة دينية بأغاني صوفية شركية وثنية، سنضع ثيابنا في الحمام لأننا نحب النظافة، سأجري لها عملية باهظة لكنها لن تعيش أكثر من أسبوعين أو ثلاث، أنا الآن ملتزمة بالحجاب فقد بلغت من الكبر عتيا والموت على الأعتاب ثم إني جربت جميع أنواع الصبائغ وقصات الشعر وتلونت كالحرباء بألوان الموضة، مضى زمني والآن زمن ابنتي اليافعة تلك الوردة المتفتحة سأشتري لها هذا الفستان المثير لتلبسه في عرس ابن عمها وتغزو به قلوب الشباب كما كانت تفعل أمها، سأذهب في عمرة للمرة الخمسين لا يهمني ذاك الطفل اليتيم الذي انقطع عن الدراسة ولا تلك التي لم تجد سبيلا لتجهيز ابنتها فما تزال تماطل العريس، حبي للبيت العتيق أكبر من رحمتي بدموع جار أو صديق، ...

...

سأذهب إلى القدس عن طريق إسرائيل بجوازي الفرنسي فأنا مسلمة تونسية أحب فلسطين كثيرا وأمنيتي ركعتان في المسجد الأقصى، سأذهب دون محرم مع صويحباتي نمرغ وجوهنا في تراب فلسطين. بعد أسبوعين سيقوم البلد الذي اعترفنا به وبمطاره وبحدوده وبطابعه الجبائي بقتل مئات الفلسطينيين الأبرياء الذين نحبهم وسيقصف منازلهم في شهر رمضان الكريم وستموت النساء والولدان تحت الحطام وستذرف العيون، وسيصير الرجال أطفالا ينتحبون. لكن لا بأس، المهم أنني حققت غرضي الأناني وحلمي الطفولي وذهبت إلى إسرائيل أو فلسطين سموها ما شئتم، المهم أنني أحب المسجد الأقصى أكثر منكم وأبذل من أجله الغالي والنفيس حتى أني وضعت يدي في يد إبليس!

لا هذا ليس تطبيعا مع الكيان الصهيوني والمستعمر الوحشي، أنا فقط لا شأن لي بالسياسة أنا امرأة اتبعَت قلبها مرهفة الإحساس، أحفظ القرآن من "البقرة" إلى "الناس"!

سامحيني يا فلسطين فلا أزكي نفسي عن الغافلين. سامحيني فقد صرت أستحيي حتى من الدعاء وهل ينفع الدعاء مع قول الله:

 إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم

(الرعد ١١)

أفأجلس دون علم أو عمل ثم أرفع يدين مذنبتين وناصية كاذبة خاطئة وأسأل الله النصر بالاتكال؟ ألا يجدر بي أن أنصر الدين في نفسي وأطبق الشريعة في حياتي وأزيد في التقوى وأسارع في الخيرات وأكثر من العمل النافع وأنهل من العلم الدافع وأتصدق صدقة لم أتصدق بمثلها من قبل وأتدبر القرآن على مهل وأتعبد بنوع جديد من العبادات وأتقرب إلى ربي بضرب فريد من القربات ثم أبتهل في الدعاء وأتباكى لأني حرمت البكاء وأسأل الله أن يعيننا على تغيير ما بأنفسنا؟

من أراد أن ينصر فلسطين وكل المسلمين المظلومين المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها فليتقي الله في نفسه ولينصر الدين في جسمه وسمعه وبصره وليطبق الشريعة على هواه وليقم بالقسط في محياه فتلك سبيل النجاة. حتى إذا توفانا الله وجدنا عذرا نعتذر به، نحن مساجين في أوطاننا وليس بمقدورنا أن نحرك الجيوش لنجدة إخوتنا لكن بإمكاننا أن نحرك النفس التي بين أجنبنا ونروضها لمرضاة الله وآخر الدعاء وأزكاه أن:






Cher journal

Cher journal En ce temps de sécheresse artistique et d'absence de vrais tourments et de réels "problématiques" dans ...