6/14/2018

من حديث النفس: رسالة إلى أم



28 رمضان 1493
14 جوان 2018

العاشرة صباحا في المكتب. أكتب لأعيد شريط البارحة، وبالتحديد لأتذكر ما فعلت. لأسترجع الأخطاء التي اقترفتها في حق ولدي خاصة. استضفت أختي وعائلتها للإفطار معنا لكني فقدت أعصابي لأن ابني عطلني كثيرا وأزعجني وقام بالعديد من الأمور المقلقة لكنها في نفس الوقت عادية يفعلها كل الصغار.

الطفل عزيزتي لا يريد أن يلعب وحيدا في مكان معين، الطفل يحب المشاركة والعالم كله ساحة لعب بالنسبة إليه. فلا تعجبي يا دام صبرك إذا تبعك إلى المطبخ ووقف على الكرسي كي يغسل الصحون أو يلعب بالماء. هي تسلية خفيفة بالنسبة لروحه التواقة إلى الخروج لمعانقة أشعة الشمس والسياحة في الشوارع أو في البساتين أو على شاطئ البحر. هو صغير وبريء لا يهمه ما يهمك ولا يشغله ما يشغلك، دعيه إلى غفلته اللذيذة، اسمحي له بأن ينال نصيبه من الشقاوة كاملا غير منقوص. فماهي إلا بضع سنوات حتى يضعه العالم في قالبه الكئيب.

ابنك حبيبتي لا يدري أنه إذا بلل نفسه أو مشى حافيا فقد يتعرض لنزلة برد ومن ثم زيارة للطبيب وأدوية قد يشق عليه ابتلاعها. هو لا يعي أبدا أنه إذا رفض أن يلبس خفه فستتسخ قدماه الصغيرتان وستغضب أمه لأنها تعشق النظافة. هذه ليست مشكلته. إنما خلق الإنسان في أوله ليلعب ويكتشف ويجرب ويزرع البهجة أينما حل.

لا تنتظري سيدتي أن يجلس طويلا بمفرده في الصالون ليلعب بألعابه الجميلة وثيابه النظيفة. كوني واثقة أن أفضل مساحة للعب بالنسبة إليه هي محيطك أنت ودائرة أبيه. ليس له بعدُ إخوة يلعبون معه ولا أصدقاء يزورونه أفتستكثرين عليه أن يتبعك أينما حللت ويتعلق بثوبك بل يشبك يديه الصغيرتين حول ساقيك أو يحمل دراجته الصغيرة إلى غرفة نومك؟ هل تبخلين عليه بالمرح قليلا فوق سريرك فقط لأنك رتبته للتو؟

وهل يبرر استقبال الضيوف وإعداد الموائد أن تسيئي معاملة صغيرك؟ أطفئي المواقد ويحك واجلسي ربع ساعة لتلعبي معه وتشاركيه عالمه بهمة عالية وبتركيز تام وبحب واهتمام. قومي بهذا العمل كما تقومي بأهم الأعمال وأعظمها في حياتك. ولا تحسبي أنك إذا خصصت وقتا حقيقيا لطفلك فأنت امرأة رائعة وأم يندر وجودها وأن هذا ضرب من الكرم الطائي إنما هو، أبشرك، أضعف الإيمان. تخيلي؟

ولا بأس، يا كمُل عقلك، إن تأخر العشاء. ستأتي أختك وتساعدك وتضحكان معا على شقاوة الأطفال. وسيشارك الرجال. لكن الصياح والصراخ ونوبة الغضب المسعورة لأن ابنك لطخ ثيابه الجديدة وهو يلعب بالطعام ليس له أي مبرر، بل هو الفشل الحقيقي في ترويض النفس والعيش ب"لا تغضب". ولم الغضب؟ هل يفعل الصغار شيئا سوى اللعب والبكاء وتوسيخ الثياب وشتى الأعمال التي تفقد الصواب وتذهب بالألباب؟ هذا اختصاصهم. واختصاصك أنت حبيبتي أن تنقذي حياتهم وتنظفي وراءهم وتصبري وتصابري وترابطي ثم تحتسبي الأجر عند الله فلا أحد يقدر أن يوفيك حقك سواه.  أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ؟

هلا رأيت إلى تبدل سحنته وشحوب لونه وغياب بسمته وإطراقة رأسه وأنت تصرخين في وجهه دون رحمة ولا شفقة؟ أرأيت دموعك كيف انهمرت بعدها بثوان ندما على فعلتك؟ متى تكفين عن لعب دور الضحية المسكينة وتفهمين أنك أنت المسؤولة الوحيدة عن كل ما أصابك وأنت الظالمة لنفسك ولغيرك؟ مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ.

هيا كفكفي دموعك واستخلصي العبرة وافهمي الدرس واعزمي على أن تروضي هذه النفس التي بين جنبيك وتحمليها طوعا أو كرها على التحلي بخصلتين حبيبتين إلى الله: الحِلم والأناة. ثم فلا خيار لديك فطفلك يقلدك في كل ما تفعلين فإن صرخت صرخ وإن ضربت ضرب وإن حلمت حلم وإن رفقت ترفق. أنت القدوة فانظري إلى موطئ قدميك وإن الله لسائلك عنه.

"لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ شَرفَ كَبِيرِنَا"




Cher journal

Cher journal En ce temps de sécheresse artistique et d'absence de vrais tourments et de réels "problématiques" dans ...