11/12/2014

الزبلة والمرزوقة



اليوم وأنا أهم باجتياز الباب الخارجي لمنزلي قصد العمل كدت أتعثر بالقمامة. نوع جديد لم يعترضني قبلها. ثلاث ورقات حمراء فاقع لونها كلون الدماء، دماء الشهداء التي أريقت ليغتنمها مصاصوا الدماء  الكذابون في القول الأفاكون في العمل ويتربعون برؤوس تشتعل شيبا وقلوب تستعر حقدا وعقول تضطرم غلاّ على عرش الثورة، تلك الثورة التي زرعها الشباب وجنى قطفها "الشياب" .

والشيب في حد ذاته ليس عيبا إنما العيب إذا ما اقترن الشيب بالكذب وسوء الخلق وقلة الأدب بل وبتاريخ أسود من الجرم ما فتأ يلقي بظلاله على صاحبه. أخذت تلك الأوراق وكفتني صورة ذاك الشيطان الإنسي لأمزقها لكن وا أسفاه كان لا بد له من أن يتوسل بآية قرآنية يخدر بها عقول قوم مؤمنين ويا لها من آية:
قال تعالى: "وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا" صدق الله العظيم

كما كان المأسوف على شبابه يقول في نهاية كل خطاب دون أن تطرف له عين : "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون"!

 فسبحان الخلاق، يا لهذه المخلوقات العجيبة. والله قد نفد صبري. يا باجي يا قائد السبسي.. أن أراك مهرجا يستضيفونه  فردا أوحدا لا يقبل حضور أحد ليناظره الحجة بالحجة والدليل بالدليل ويقذفه بما تيسر من حقائق تاريخية ويذكره بما صدر عنه من مواقف مخزية واعترافات يندى لها الجبين ويلقي عليه حقيقته كاملة وينشر أمام عينيه وأعين الناس جرمه وإفكه ويفضح تلفيقه وكذبه فهذا أمر كان يضحكني، كنت أراك فقط مهرجا لا غير وتعجبني "قعدتك" وأكاد أطرب لحديثك فكأني أتفرج على مسرحية يؤديها ممثل بارع. كان هذا الأمر ممتعا إلى حد ما...

أما وقد حزت على ما حزت في الانتخابات التشريعية  وها أنت تمثل تهديدا حقيقيا لمصير البلاد حتى أن فرضية أن يهزمك منافس آخر على الرئاسة يكاد يكون ضربا من الخيال فهذا ما لم أعد أطيقه. لقد ضقت ذرعا بك وبطلعتك البهية وبالصورة البورقيبية التي سطوت عليها في محاولة دنيئة خسيسة للمتاجرة بكل ما من شأنه أن يوصلك ديناصورا يتربع على عرش هذا البلد الذي ستصيره إلى غاب يسري فيه قانون الغاب. فلم أقرأ في ورقتك هذه ولو سطرا واحدا يبشر بخير، كلمة "حرية" لم أعثر لها على أثر في برنامجك الانتخابي فكل همك يا هما تراكم على قلبي أن تعيد هيبة الدولة وأن يستتب الأمن والاستقرار. هي إذن نفس المنظومة السابقة التي سرى مفعولها خمسا وخمسين سنة. هذا ما ينتظركم يا من ستصوتون لسيسي تونس : هيبة الدولة واستتباب الأمن أي القمع والظلم وتكبيل الحريات وسرقة الحقوق وتغول السلطة.


 أجل حُق لنا أن نتكلم عن التغول. فهذا الكذاب الأفاك قليل الحياء يسمح لنفسه بأن يتكلم عن أعدائه الإسلاميين زاعما أنهم إذا فازوا فسيبقون في الحكم خمسين سنة ولذلك حزب نداء تونس لا بد أن يكون الفائز الأول .. أجل قال بالحرف الواحد "خمسين سنة" والحال أن حزبهم هم من جثم على صدر البلاد والعباد أكثر من خمسين سنة وهاهو اليوم يعتزم مواصلة المسيرة الجهنمية التي وقع "التشويش عليها" ثلاث أو أربع سنوات ونسى هذا الحقير أن الإسلاميين تركوا الحكم بعد سنة ونصف فقط تنازلوا خلالها حتى عن الوزارات السيادية ولكنها الدكتاتورية العمياء والحقد الدفين للحرية والإسلام من هذا الذي ما فتأ يتوسل لقلوب التونسيين بآيات يحشرها هنا وهناك، بمناسبة وبغير مناسبة وقد نبهت على هذا الأمر منذ عامين، منذ أن رأيته أول مرة. تفطنت للعبته الخفية، لمحاولته التاعسة البائسة في توظيف الدين، في تزيين خطابه بما تيسر من النكات والذكر الحكيم مستميلا قلوب الشعب الكريم. وللأسف قد نجح بالفعل. وكيف لا ينجح في بلد يعبد فيه الألوف صنم المجاهد الأكبر أكثر مما يعبدون الله وها هو السبسي الماكر يتوجه اليوم إلى قبر بورقيبة بعد أن خرس عن نصرته طيلة السنوات التي حبسه فيها بن علي عن العالم أيام ضعفه ووهنه. لم يقل ذاك السافل كلمة واحدة ولم يقم بزيارة واحدة للرجل الذي يستعمله اليوم كأداة للوصول إلى الحكم. فيال الخسة.


لعنت الشيطان ووضعت تلك القمامة الحمراء في حقيبتي وأنا أعتزم حرقها لأنها تحتوي على آية قرآنية واستقليت سيارة أجرة. فما إن وصلنا إلى مكان قرب الجسر المتحرك حتى سمعنا ضوضاء عارمة. ضوضاء كالتي نسمعها في الأعراس. لكن من يقيم حفلا في التاسعة صباحا؟ من عديم الذوق الذي يبث هذه الضجة المقرفة متجسمة في أنغام مزود ؟ إنها القمامة الحمراء مرة أخرى !
هكذا يقيمون حملتهم الانتخابية بميزانية خيالية تتيح لهم أن يبثوا قمامتهم في أوغل الأحياء الشعبية وأضيق الأزقة سواء في شكل أوراق أو ضجيج عارم أو مسرحية سقيمة يلبس فيها المارد الأحمر نظارات بورقيبة السوداء.

لو كان همي من الباجي وحده لكفى ولكن ما زاد الطين بلة أنه في مقابل هذا الديناصور المستغول يوجد رجل يستحق ليس الرئاسة فقط وليس المراكز والمراتب، بل بعيدا عن السياسة وبعيدا عن المعايير المادية والخطط الاستراتيجية هذا الرجل يستحق كل احترام وحب وتقدير وبالفعل أينما حل يجدهم وفي المحافل الدولية ترى الأوروبيين والأمريكيين وغيرهم يقفون له إجلالا ويصفقون له تقديرا ويبتسمون له تلك الابتسامات النادرة في عالم السياسة ابتسامات صافية خالية من كل اصفرار، ابتسامات بيضاء ناصعة تعكس ما في القلب من احترام لهذا الإنسان.


لكن شعبي ... جاهل بقيمة هذا الرجل. يا شعب تونس لأول مرة يحكمكم رئيس دكتور طبيب كاتب مفكر حقوقي نظيف مسلم ملتزم يتحدث ثلاث لغات بطلاقة يكتب عن أهمية اللغة العربية يعطي بالتفصيل ما يملك من مال وعقار تبرع بمئات الملايين لعائلات الشهداء والجرحى يتواصل مع الناس مباشرة لم يضع أحدا في السجن بل ولم يقدم أي شكاية ولا قضية بصحافيي الكذب وإعلاميي التلفيق وهم الذي رموه بأبشع الصفات ولفقوا له أقذع التهمات وتغامزوا وتلامزوا وقللوا احترامهم وكذبوا عليه في الصحف والتلفزات. كان بإمكانه أن يقتص لنفسه، أن يدافع عن شرفه، أن يعيد اعتباره أن يحقق العدل لنفسه لكنه أبى. هو يفضل أن يترك الشعب يتعلم الحرية ويخلص العمل ويؤدي واجبه بحرفية، هو يؤمن بأن كل شيء يبدأ بضمان الحرية وهو الوحيد الذي يتحدث عن الأخلاق.


 اليوم يقول محمد منصف المرزوقي أن معركتنا معركة أخلاق وحب للوطن.
فهل سمعت بالله عليك رجلا يتحدث بهذا الكلام سواء كان إسلاميا أو علمانيا أو يساريا أو غيره؟ من فهم أن معركتنا هي معركة أخلاق؟ ألا يذكركم هذا بقوله صلى الله عليه وسلم "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"؟
أليست الأخلاق هي جوهر الموضوع ولب القضية ومنتهى الغاية؟ أليس بالأخلاق تضمن الحرية والكرامة ويتحرر الفكر وينطلق الإبداع ويتحرك الإقتصاد ويستتب الأمن؟ ألم تكن معركة الرسول صلى الله عليه وسلم معركة أخلاق أيضا؟ هل حارب يهود المدينة لأنهم يهود أم لأنهم خانوا العهد ونقضوا الميثاق؟ هل حارب الرسول صلى الله عليه وسلم الكفار لأنهم كفار أم لأنهم أخرجوه من دياره وعذبوا أصحابه وحالوا بينه وبين الناس فلا هم آمنوا به ولا هم تركوه لدعوته؟ اللهم صل وسلم على معلم الناس الخير.

والله إن جوهر القضية الأخلاق وكم حزت في نفسي نتائج الانتخابات التشريعية ليس لأني من مناصري حزب دون حزب ولكن لأن الباطل انتصر على الحق، لأن هذه النتائج تشي بأزمة أخلاقية حقيقية في هذا الشعب الذي رمى بالمناضلين والصادقين والشرفاء عرض الحائط ورفع مجرمي الأمس جلادي الشباب سارقي الثروات ناهبي الحريات إلى أعلى المراتب وبوأهم تلك المقاعد فهل من منصف يقيم الميزان ويمحو شيئا من الطغيان

صدقت يا من اسمك جميل كفعلك فأنت محمد حقا ومنصف فعلا وقولا وأمنيتي المجنونة ورجائي في الله أن يوصلك بحوله وقوته إلى المكان الذي تستحقه ويرزقنا رئيسا متشبثا بجذوره العربية الإسلامية عاشقا للحق والعدل والحرية كاتبا ومفكرا وموحدا للإنسانية ناهلا من منابع العلم والخير نافعا بلاده وشعبه ملتزما كل الالتزام بالدفاع عن قيم الحرية ومكارم الأخلاق وتبا ثم سحقا لمن ليس له أخلاق ولا علم ولا عمل ولا دين ولا يخشى في مؤمن ولا مؤمنة إلاّ ولا ذمة.

وحسبنا الله ونعم الوكيل



Cher journal

Cher journal En ce temps de sécheresse artistique et d'absence de vrais tourments et de réels "problématiques" dans ...