10/10/2017

ولو كنت فظا غليظ القلب



الموت الحقيقي ليس سكوت القلب ولا توقف الدماغ. الموت الحقيقي حين يموت الشخص في عينيك بموت الحياء، بفناء الأخلاق، باستشهاد الرحمة، باختفاء المودة، بانتهاء الفضيلة. الموت الحقيقي أن يسقط شخص في امتحان الأخلاق سقوطا مدويا يصم آذانك ويهجم على قلبك هجوم الوحدة على العجوز في خدرها. المصيبة هي ابتلاء البشر والرحمة هي ابتلاء رب البشر. أن يموت شخص في حادث فهذا أمر جلل لكن أن تموت في قلبه الرحمة وفي لسانه العفة وفي جوارحه الحكمة وفي أعماله العدل وفي أقواله الهزل، فما تراه إلا متجهم الوجه عبوسا، كأنما وجهه بالخل منضوح، أو تسمعه يزأر ويزمجر كالأسد في قفصه، أن ترى حضوره نقمة وغيابه نعمة وبعده أمنا وقربه خوفا فهذا هو الموت الحقيقي، موت الفضيلة والأخلاق.

علمتني الحياة أن جوهر الأمر وعماده وذروة سنامه هي الأخلاق وأن أكثر الساقطين لا يسقطون إلا في امتحان الأخلاق وأن كل مصائب الدنيا وآفاتها مردها إلى الأخلاق. فسبحان الذي قال "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك" وسبحان الذي بعث نبيه ليتمم مكارم الأخلاق وسبحان الذي جعل العبادات تربية للنفس وسموا بالروح وتدريبا على الرحمة وتزكية للجوارح وشفاءا للصدور. ووا أسفى ما أبعد البون بيننا وبين لب ديننا فما عدنا نهتم إلا بطول الجلباب وشكل اللحية وأحكام الطهارة.

 ليت شعري من يهتم بفن المعاملات؟ من يصلح لنا هذه النفوس المريضة؟ تراهم رُكعا سُجدا صُواما قُواما عُبادا، ينفقون بالنهار ويستغفرون بالأسحار فتحسب أنك تصافح الملائكة أو تكلم المعصومين أو تخاطب أولياء الله الصالحين. فإذا خلوا بمحارم الله انتهكوها. فترى الواحد منهم يسيئ إلى أهله ويظلمها. يكاد يحبسها في البيت فلا تذهب إلى إخوتها ولا تخرج إلى صلاة الجمعة ولا تزور صديقة ولا تكلم جارة إلا بإذنه وبموافقته. وترى الآخر يمسك بيد ابنه الصغير ليعود به من المدرسة إلى البيت فلا يكلمه ولا يهش في وجهه ولا يسأله عن وقته فيما فنى وماذا تعلم أو رأى. وترى تلك تشغل المعينة المنزلية فلا تدع ركنا من أركان بيتها إلا كلفتها بتنظيفه ثم تجلب لها الزرابي والأغطية ولا تدعها ترتاح إلا لدقائق قصيرة تأكل فيها كسرة يابسة لا تسمن ولا تغني من جوع ثم إذا حان وقت أجرتها رمتها ببضع دراهم معدودة وكانت فيها من الزاهدين. 

والله لن نبلغ مقام الإحسان ولن نتقرب من ربنا ولن ننعم بصحبة نبينا في الجنة إلا إذا أصلحنا أخلاقنا وزكينا أنفسنا وقلنا للناس حسنا ومسحنا بأكفنا يُتما ونشرنا في الأرض رحمة ولقينا الناس بالبسمة. والله إن النار لتتقى ولو بشق تمرة.

اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها


 إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا
رواه الترمذي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Cher journal

Cher journal En ce temps de sécheresse artistique et d'absence de vrais tourments et de réels "problématiques" dans ...