هذه قراءة
إسلامية أصولية إرهابية في رواية "الرباط المقدس" لأب المسرح العربي،
الحبيب إلى قلبي، توفيق الحكيم.
حينما شرعت في
قراءتها بدت لي لذيذة ممتعة وهنأت نفسي على اصطفائها من بين الرفوف وعلى الدنانير
التي دفعتها فيها. لكن ما إن وصلت إلى فصل الكراسة الحمراء وما تحويه من فضائح
يندى لها الجبين حتى تلاشت متعتي. ورغم ما تبعها بعد من أحداث إلا أنني لم أحبذ
بعض الأفكار المتسربة من الكتاب كما أن هناك أحداثا غير معقولة ولا واقعية بالمرة.
هذه في الحقيقة رواية فلسفية تدور حول شخصية المرأة العصرية
ورغبتها في التحرر، وهي تعالج أيضا مسألة الزواج والخيانة... ما أعيبه على الكاتب هو تصويره للمرأة كأنها شيطان أو حيوان كل
همه اصطياد الذكور بمساحيق الزينة والعطور وتصويره للرجل من خلال شخصية الزوج على
أنه مثال في الإستقامة والنبل والشرف، ثم تعليله عزوفه عن الزواج بكل هذا من خلال
شخصية "راهب الفكر" الذي لا يعدو أن يكون توفيق الحكيم ذاته.
حسنا يا
حكيمنا، أراك عزفت عن الزواج لأسباب بينتها هنا وفي كتابك "حمار الحكيم" الذي طالعته
من حسن حظي قبل كتابك هذا مباشرة. أنت ترى نفسك غير صالح للمعاشرة لأنك رجل فكر وأدب
وكتابة ولا تحسن الاعتناء بنفسك فكيف بالآخرين. حسن لك هذا ولكن كان عليك أن لا
تعزف فقط عن الزواج بل عن النساء جملة وتفصيلا. أم أنك من كثر مخالطتك لهن خارج
إطار الزواج شكلت فكرة قاتمة عنهن؟ وكان الأجدر بك أن توجه اللوم إلى نفسك الخاطئة
الآثمة المنتهكة لمحارم الله وتبدأ بمحاسبتها قبل أن تسيء الظن في جل النساء. فالزنا
محرم على الذكور كما هو على الإناث سواءا بسواء.
من الجيد أن
تدين ما تقترفه بنات عصرك من جرائم ضد الأخلاق باسم الحرية وبسبب فراغهن الفكري
وخوائهن الروحي ولكن أن تعمم هذا على النساء جميعا فتصير كل امرأة ساقطة حتى تثبت عفتها
وكل زوجة خائنة حتى تثبت براءتها ويصير العزوف عن الزواج أضمن أما الزنا فلا بأس به
للرجال فهذا ما لا أقبله منك. أراك رجعيا في مسألة النساء ويبدو أن المرأة عقدتك
فلا أنت تزوجتها ولا أنت استغنيت عنها. غفر الله لنا ولك.
ثم كيف تصور
في آخر الرواية أن صون المرأة المتزوجة لنفسها قد يكون تضحية بملذات الجسد من أجل
لذة الروح وسمو النفس التي هي أسمى وأرقى. والحال أن الزواج يكفي الإنسان حاجاته
الروحية والجسدية. أفلا يكفي المرأة زوجها لإشباع غريزتها؟ لماذا نصور الزواج على
أنه سجن مليء بالتضحيات والحرمان من أجل السمو بالنفس؟ الزواج هو السكن وهو
التوازن وهو المتعة الجسدية والروحية إذا ما أحسن الطرفان الاختيار. أما هذيانك
هذا فلا يمت للأصل بصلة.
وكذا تفسيرك انعدام هذه الآفات في أوائل العهود نظرا
لتمكن سلطان الدين من القلوب بحيث لم تكن المرأة تخرج إلا من غرفة لأخرى أو من بيت
لبيت والحال أن من الصحابيات من لم تكن تترك صلاة الجماعة في مسجد ومنهن من تعسف
نخلها وترعى غنمها ومنهن من تداوي المرضى وتواسي الجرحى ومنهن من تمشي في الأسواق
وتخرج في الغزوات. فإذا تفسيرك العفة والفضيلة بحبس النساء في البيوت باطل ومردود عليك. إنما هي قوة
الإيمان وخشية الله ودرء المفاسد قبل حدوثها. ففي عصر الصحابة قليلا ما تبقى امرأة دون زواج فالتي
مات عنها زوجها تسابق إليها الرجال خاطبين وعندما سمع عمر امرأة تنشد شعرا حرم على
الرجال التغيب أكثر من أربعة أشهر على نسائهن في الثغور. ثم إن المرأة كانت في غدوها ورواحها متزينة بزينة الحياء حاجبة مفاتنها عن الأعين ومن شروط اللباس
الشرعي للمرأة المسلمة خلوه من العطور التي أرى أنها فعلت فيك الأفاعيل. وبعد هذا
وفوقه أمر الله المؤمنين والمؤمنات بغض البصر ووعدهم بحلاوة الإيمان يجدونها في
قلوبهم. فقل لي بالله عليك أين أنت من تعاليم الدين؟ هلا درستها وفقهتها قبل أن
تخط تلك الكلمات الساذجة التي تبخس الدين حقه والمرأة حقيقتها؟
أخيرا هذا
الكتاب لم يضف لي شيئا للأسف من ناحية الأفكار كما أني لم أجد فيه أسلوب الكاتب الساخر
الذي عودني عليه وأحببته فيه.
لأول مرة أقسو على الحكيم لكنه يبقى من كتابي
المفضلين ومازلت أرغب في الاستزادة من فيض روحه وثمر قلمه. أما دروس الأخلاق فليس
مؤهلا ليلقنني إياها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق