إذا مَسَّهُ الشَرُ جَزُوعا

تعرضت في الآونة الأخيرة إلى صدمة كبيرة حين اكتشفت أن ما ظننته حملا ليس إلا مرضا: الحمل العنقودي (molar pregnancy). اسم وددت لو لم أعرفه أبدا. هي حالة نادرة جدا لكنها قسمتي ونصيبي. لم يُقدر لهذا الصغير أن ينشأ. حالة غير عادية، تشوه ترفضه الطبيعة. خلل في توزيع الكروموسومات. ليس ثمة جنين إنما هو مرض يجب استئصاله ومتابعته لأشهر.

كانت الصدمة عظيمة وشديدة خاصة حين دخلت على الشبكة وقرأت عن المضاعفات الممكنة. أُصبت بحالة من الهلع. خُيل إلي أنني أسوأ الناس حظا. تفوهت بكلام لا يقوله إلا ملحد أو متشكك عديم الإيمان، أو مؤمن في أقصى درجات الضعف والهشاشة والهوان. فاللهم أستغفرك وأتوب إليك.

اكتشفت أنني في غاية الضعف وأني لست مؤهلة للامتحانات الصعبة. اكتشفت أني قادرة على إعادة نفس الأخطاء وتكرارها. اكتشفت أن زوجي عاقل وحكيم ولو كنت أصغي إلى نصائحه لما أصابني الكثير من الشر الذي أستنزله على نفسي.

اكتشفت أننا لا نملك أي شيء ولا نقرر أي شيء وكل شيء بيده سبحانه. أنت تتوهم أنك تملك حياتك وتخطط لمستقبلك وتختار الفصل بل الشهر الذي تنجب فيه ولدك لكن الله هو الذي يختار. هو المعطي وهو المانع وكل شيء عنده بمقدار.

وعلمت إذ أدبني ربي، أن الخيرة فيما اختار الله. الخيرة والحكمة والرحمة والسعادة فيما اختار الله. والطيش والبؤس والشقاء في الاعتراض على أمره سبحانه. ولنا في قصة موسى مع الخضر أسوة حسنة.

ألا يبكي الطفل إذا حرمته من شيء يحبه؟ يحسب أن فيه نفعه وسعادته. ولو علم كم تحبه حين تحرمه ولو علم أنك إنما تمنعه لتدفع عنه سوء أو تجلب له منفعة لفرح واستراح. لكنه صغير لا يعلم ولا يفقه. ولله المثل الأعلى. هكذا الإنسان ضئيل، ضعيف، جاهل لكنه يعترض على أمر الخالق.

 قُتل الإنسان ما أكفره.

قلت يا نفس أما تستحين؟ أما أغدق الله عليك نعمه ظاهرة وباطنة؟ ألا تذكرين؟ ألم يَفُق واقعك حدود الحلم ويسمو فوق روعة الخيال؟ أنسيت ماليزيا وأيامك فيها؟ أنسيت كيف رزقك طفلا وسيما سليما معافى؟ أتعترضين وأنت الجاهلة وهو العليم؟ 

ثم ويحك ما الدنيا كلها وما آلامنا فيها؟ الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة. أما رأيت أن الأيام دول وأن الحياة تحلو ساعة لكأنها العسل ثم تعبس وتتجهم لكأن وجهها منضوح بالخل؟ أما رأيت إلى زوجك كيف يواجه الحياة؟ سعة قلب ورحابة صدر ورجاحة عقل تقدر الأمور بمقاديرها، فهلا حاولت التأسي به؟

عجبا لك كيف تجمعين بين المتناقضات؟ تقرئين الكتب وتصاحبين العلماء ثم عند أول أزمة تجهلين جهل العامة والغوغاء؟ أما تستحين؟ هيا قومي إلى عملك واستمعي إلى نبض الحياة يدق بين أضلعك وقولي قولة موسى عليه السلام: كلا إن معي ربي سيهدين، كلا إن معي ربي سيهدين، كلا إن معي ربي سيهدين!

وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ

بنزرت
10 سبتمبر 2018