9/29/2016

أباطيل وأسمار 1




ليس من دأبي ولا من عادتي أن أكتب مراجعة كافية وافية لكتاب قرأته. فقد نشأت في جيل يعد القارئ فيه قادما من كوكب آخر، خاصة إذا خرج من طور الدراسة "ولم يعد له حاجة بكتاب". فما بالك بأن يحرر فيه مراجعات؟ما زلت أراني في حافلة كئيبة أحمل كتابا وأحاول جاهدة الغوص في أسطره وسط موج متلاطم من ضجيج الإذاعة وصخب المسافرين. حتى حلمت لسذاجتي أن يعترضني فارس الأقلام ممتطيا صهوة كتاب أشم فتلتقي عينانا ومن ثمة أرواحنا وقد فاتني أن مثل هذا الحلم لا يتحقق لأن بغيتي ليس لها وجود.

وقد أكرمني ربي وكتب لي خيرا من ذلك. حلما قد جال طيفه في خاطري قبل أن يصير واقعا ملموسا وفرحا محسوسا. شاءت الأقدار أن يكون رجلي قارئا من نوع آخر، قارئا لنفسي الصاخبة الثائرة المسكوبة دفقات على صفحات هذه المدونة. مدونة تابعها زمنا  فأحبها وأحب أفكارها ثم طرق بابها (وأترك لكم شكل الواو فإن شئتم بكسر وإلا بفتح). ومن ثمة جرب المحاولة فلم يسقط حيث سقط "العشرات" قبله صرعى بمنسأتي. وأنى له أن يسقط وقد صحّ فيه قول أيمن العتوم في "ذائقة الموت":


وصح فيّ حال تلك الفتاة التي

سبحان الذي أجرى على قلم هذا الكاتب الشاب الفذ ما خبرته صدقا في حياتي بحذافيره وبدقة أوصافه وتجلياته دون زيادة أو نقصان. وإنها لقبسات جميلة من فيض كتابه الرائع حفظتها دهرا لأنها تنطبق على حالي، ليس في باب الحب فقط بل في باب الموت أيضا.

 ألم أقل لكم إني لا أكتب مراجعات قيمة للكتب التي أقرؤها؟ ها أنذا قرأت كتاب العتوم واحتفظت بعدة اقتباسات وهي تنام في حاسوبي منذ عام أو أكثر ولم أنشرها ليستمتع بها القراء. لأني في جوهري إنسانة كسولة واستهلاكية. منذ صغري كانت المطالعة بالنسبة لي من أفضل وسائل الترفيه، أتعامل مع الكتاب كما أتعامل مع الأفلام الكارتونية. ولا أعرف من الكتب إلا القصص والروايات بلغت ما بلغت من الجودة والعمق. وقد استمر هذا الحال إلى زمن ليس ببعيد. ولكم كرهت أن تكلفني أمي بتلخيص كل قصة أقرؤها. لكأنها كانت تعاقبني على كل كتاب أطالعه؟ لله درها اليوم فهمت مغزاها. اليوم حين أقف مترددة أمام الصفحة البيضاء أتمنى لو عودت نفسي أكثر على العطاء. اليوم أعجب لأولئك الذين يكتبون مراجعات طويلة عريضة وأخرى قيمة جيدة حكيمة في موقع الغودريدز مثلا. ألا قاتل الله هذا الكسل اللعين والجبن الدفين والعجز المهين الذي أقعدني عن أداء أمانة الإبلاغ والإعلام. أليس الدال على الخير كفاعله؟

فما بالك إذا كان الحديث عن كتاب كسيماء المرأة المسلمة لفريد الأنصاري؟ كتاب وددت لو قرأه كل مسلمة ومسلم. ما قولك إذا كان الحديث عن كتاب اعتبر من أفضل وأجود الكتب الصادرة في النصف الثاني من القرن العشرين؟ ما ظنك إذا كان صاحب هذا الكتاب علما من أعلام العربية وقمة شماء في سمائها؟

كيف سأجد الكلمات لأوفيه حقه؟ ألا يحسن بي أن أمتنع عن الوصف والبسط؟ لا أدري. كل ما أعلمه أني ودعت كتاب "أباطيل وأسمار" كما نودع حبيبا إلينا وشيعته كما نشيع عزيزا علينا. أما كاتبه فهو العلامة شيخ العربية وفارسها المغوار الذائد عن حياضها وعن شرف الأمة وديارها، والكاشف لأباطيل المبشرين وتدليس المدلسين والهاتك ستر المدعين، ذاك الصخرة التي تتكسر عليها أمواج الدجالين والعملاء والحاقدين، المفكر والمحقق والأديب والشاعر، محمود محمد شاكر

يؤسفني يقيني بأن جل القراء سيسمعون هذا الاسم للوهلة الأولى. وسيتساءلون من هو هذا الرجل العظيم الذي جهلناه إلى يوم الناس هذا؟ وإن كان عظيما إلى هذه الدرجة فما لنا لا نعرفه؟ هكذا حدثتني نفسي أول مرة وقد بلغت من الكِبَر والكِبْر عتيا. لكنني سأحيلكم على هذه الترجمة الجيدة لحياته ومؤلفاته ستجدون الإجابة بين طياتها. أنصحكم بل آمركم أن تقرؤوها. وأن تقرؤوا كتابه "رسالة في الطريق إلى ثقافتنا" فهو قصير يسير لمن يسره الله عليه.

أما "أباطيل وأسمار" فيأتيكم حديثه في الحلقة القادمة  إن شاء الله. والسلام.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Cher journal

Cher journal En ce temps de sécheresse artistique et d'absence de vrais tourments et de réels "problématiques" dans ...