10/30/2015

نحن مفلسون

-->


عندما لا تجد في بلادك مادة إعلامية واحدة تستسيغها المعدة ويقبلها العقل السليم ويستلطفها الذوق القويم فاعلم أننا مفلسون.
حين تبحث عن شيء تتفرج فيه قصد الترويح البريء عن نفسك ثم لا تجد بغيتك فاعلم أننا مفلسون.
حين تبدأ نشرة أخبار الثامنة بخبر اختتام مهرجان قرطاج للمسرح وكأنه النبأ العظيم والحدث الجسيم، أما فلسطين وشهداؤها وانتفاضة السكاكين فلتذهب جميعها إلى الجحيم، فاعلم أننا مفلسون.
حين يغيب الإبداع عن الفن ويستشهد على عتبة الابتذال والتقليد والتهريج البليد، فاعلم أننا مفلسون.
حين تفتح التلفاز لتجد جريمة مروعة يقع تجسيم أحداثها الكئيبة وتفاصيلها الفظيعة في فيلم رعب أحمر سيء الإخراج لاستجلاب المشاهدين الغُفَّل، فاعلم أننا مفلسون.
حين تشارك نائبة ومهرجة سابقة عن حزب إسلامي في برنامج قمار علني، حين تذهب بإسلامها وحجابها لتجرب حظها في لعبة ملايين مجنونة، فاعلم أننا مفلسون.
حين يغيب الفن الإسلامي الهادف وتخلو الساحة للبذاءة والصفاقة والتفاهة والرداءة والنكات الخبيث والطرح السخيف والعبث واللعب والكذب والتسويف، فاعلم أننا مفلسون.
حين تكمم الأفواه وتعزل صفوة الأئمة بلا ذنب ولا تهمة ممن لا يخافون في المؤمنين إلاّ ولا ذمة، حين نُحرم من ليوث المنابر، حين نُسلب إحسان إمام يحيي خطبة الجمعة بقذائف الحق والإيمان بعد أن مللنا الخطب المكتوبة على الأوراق، فاعلم أننا مفلسون.
حين تُهدى جائزة نوبل المضحكة للسلام لمن أجبروا الإسلاميين على التنازل عن الحكم بالتهديد والوعيد ولا تُعطى لمن تنازل عن حقه الشرعي وخيَّر صون البلاد والعباد من فتنة قد تأتي نارها على الجبال والمهاد، فاعلم أننا مفلسون.
حين تغرب شمس الحقيقة ويأفل نجم الصدق وتغوص الأخلاق في لجج الظلمات ومخازي الكذب والتلفيق والتشهير والنفاق، حين يعلو السباب ويسمو الشتم، حين يهرف الرويبضة ويتنهد الحكيم، حين ينهق الحمار ويسكت العندليب، فاعلم أننا مفلسون.
حين تجحد الضحية حقها ويكرم الجلاد، حين يبكي الغزال ويضحك الصياد، فاعلم أننا مفلسون، مفلسون، مفلسون.
 

10/15/2015

كدتُ أنسى


 

نهضت على الساعة السابعة كعادتها. وكعادتها ستشرب قهوتها في خمس دقائق ثم تخصص نصف ساعة لاختيار ملابسها وانتقاء أكسسواراتها وتلوين وجهها بأدوات الزينة والمكياج. هكذا يبقى لها عشر دقائق بالضبط لتلحق بالحافلة التي تقف غير بعيد عن منزلهم. وعلى كل لا بأس أن تذهب إلى جامعتها بسيارة أجرة إن فاتها "القطار". المهم أن لا تضع قدمها خارجا إلا وهي في كامل أناقتها وجمالها.
وعبثا حاولت والدتها إثناءها عن الإسراف في الزينة وطالما عجبت من مبالغة ابنتها في الاعتناء بمظهرها، لكن نتائجها الدراسية الجيدة وحب أبيها وفخره بجمالها وذكائها جعلا ملاحظات الأم تذهب أدراج الرياح.
هاهي ذي تقف أمام خزانتها وتمعن النظر في ثيابها المتراصة أشكالا وألوانا، ثم تفحص هاتفها الذكي لتتأكد من طقس اليوم. وبعد تردد وطول تفكير تختار بنطال دجينز مزركشا في الأعلى بفراشات صغيرة وقميصا ورديا ذا أكمام تصل إلى أسفل المرفقين وحذاءا أبيض ذا كعب عال تطل منه أصابع قدميها المطلية بلون الفوشيا. ستضع مع هذه الملابس خاتما جميلا على شكل فراشة وسلسلة في رقبتها تتدلى منها قيثارة زرقاء وستملئ يديها بأنواع الأسورة، فالأكمام القصيرة تترك لها مجالا لملئ الفراغ.
الآن جاء دور الماكياج. تعلم جيدا أنه سيتطلب منها وقتا لا بأس به لكنها كل يوم تصير أكثر سرعة وفاعلية وقد حفظت جميع مراحل زينة الوجه وتعلمت فنونا من الطلات الجديدة. تراها في "تلفازها" الخاص، في شاشة اليوتيوب الرهيبة. هناك آلاف الفيديوهات التي تعلم البنات وضع الماكياج وتصفيف الشعر ومختلف أنواع الزينة.
أخيرا تجمع شعرها في شكل ذيل حصان ترفعه إلى أعلى، تلقي نظرة عامة على مظهرها، تبتسم لوجهها ابتسامة راضية. هي معجبة بقوامها الرشيق ولباسها الأنيق، الدجينز الضيق يبرز مفاتنها والقميص الوردي القصير يضفي عليها براءة طفولية والكعب العالي يجعلها تبدو أكثر طولا ونحافة. أما نظاراتها الشمسية الأرجوانية فهي كما يقول الفرنسي كحبة الكرز على الكعكة.
كادت تهم بالخروج ثم تذكرت تفصيلا صغيرا، هرعت إلى حجرتها وهي تصيح : كدت أنسى !
وضعت خمارا ورديا على رأسها وثبتته بدبوس يلمع على شكل فراشة. ثم خرجت مسرعة ولسان حالها يقول: الآن أستطيع أن أواجه العالم.

10/08/2015

فخامة الرخيص




نظرت إلى زوجي وقلت في استغراب: لمَ لا يقول أحد الحقيقة؟ لمَ لا يقول الإعلاميون أن  هذا المتحذلق الذي يتنكر في زي رئيس لبلد يسمونه "أم الدنيا"هو مجرم سفاح قتل شعبه؟
فقال لي زوجي: لأن رئيسنا مجرم مثله، هذا لقاء المجرمين.
لكن إجابته لم تشف غليلي فعدت ألقي عليه سؤالي وقد تعاظم استغرابي إلى حد الاستنكار: أنا لا أفهم لمَ لا يقول أحد أن هذا مجرم؟
فأعاد علي نفس الكلام: لأن صاحبنا أيضا مثله، لقد كان وزيرا للداخلية أيام بورقيبة وعذب الكثيرين.
لكنها جرائم غمرها الزمان ولم تتحدث عنها إلا أصوات تائهة في لجج الزحام. أصداء تلاشت مع الزمان. أما جرائم هذا الوغد فقد رأيناها بأعيننا وسمعناها بآذاننا وشممنا رائحة الموت والظلم والظلام عبر شاشاتنا. رأينا المصطفين صفوفا في صلاة الفجر كيف رشوهم بالماء البارد ثم كيف قتلوهم بالرصاص الحي، رأينا أجساد الجرحى كيف أحرقوها ومازال فيها نفس حي، رأينا الرئيس المنتخب كيف تم الانقلاب عليه وزجه بالسجن، رأينا المحاكمات المضحكة المبكية والأحكام الظالمة المفزعة بالإعدام على مئات الأنام، رأينا حصار غزة ومعاداتها وتضييق الخناق عليها من أبناء جلدتها فعن أي تقارب في المواقف يتحدثون؟ وكيف يتناسون جرائم الفرعون ولم يجف بعد دم الشهداء؟ لطالما عجبت من ضعف الذاكرة الشعبية.  لكن هذا ليس فقط ضعفا في الذاكرة فلسنا بصدد الحديث عن أشياء حصلت منذ عشرين سنة، بل هي وقائع حدثت بالأمس القريب ومن ثمة فنحن أمام قصور رهيب في الضمير الإنساني وفشل ذريع في الصدق الإعلامي. ولكن لم العجب إذا ذهب رخيص عربي لزيارة رخيص آخر عربي؟ والحال أن هذا السفاح تم استقباله كرئيس في أوروبا نفسها بلاد الحضارة والأنوار ومعقل الحرية والدمقراطية وكثير من الكلام الفارغ؟ فعلا "الشيطان يحكم" كما كتب العبقري مصطفى محمود رحمه الله. وقد هوى العالم في تدنيه الخلقي إلى أسفل الدركات.
شتان بين رئيس  مثقف، مفكر، حقوقي، نظيف، ذكي، أديب، طبيب، يطلب من العالم أن يفك أسر رئيس سجين مظلوم وبين رخيص خائن يذهب في زيارة مخزية لحثالة انقلابي. ثم يتحدثون عن هيبة الدولة وعن غياب العلم التونسي وعن عدم استقبال الرئيس في المطار ألا وَيحكم، قد ذهبت هيبة الدولة أدراج الرياح يوم قررتم أن تضعوا على رأسها تلك الناصية الكاذبة الخاطئة، تلك الرأس التي اشتعلت شيبا وبلغت من الكبر عتيا ومن الهرم ضعفا وتأتأة حتى صرنا أضحوكة العالم. هذه ثورة الشباب ...
إنها فعلا صورة مخزية، تلك التي ضمت فخامتين رخيصتين: الأول فرعون انقلابي سفاح محارب لدين الله والثاني هامان في أرذل العمر، عجوز حيزبون مكانه في دار العجز. وكأن بلدي عاقر لم تلد الرجال، لكنها الدنيا التي لا تساوي عند الله جناح بعوضة.

لا تأسفن على غدر الزمان لطالما               رقصت على جثث الأسود كلاب
لاتحسبن برقصها تعلو على أسيادها              تبقى الأسود أسوداً والكلاب كلاب



Cher journal

Cher journal En ce temps de sécheresse artistique et d'absence de vrais tourments et de réels "problématiques" dans ...