4/01/2015

حوارٌ مع صديقةٍ في قلبهَا أنثى عربيَّة

خولة كما عرفتها هي تلك الفتاة القوية، صاحبة قضية، هادئة في الطبع وعقلانية. عرفتها عن طريق منتدى. فرأيت تدينها وأخلاقها. وخبرت تفوقها في دراستها وذكاءها. ثم لمست حبها لدينها ولفلسطين. أذكر أنها كانت تجاهد جهاد الكلمة أيام العدوان الوحشي على غزة في أواخر 2008 وبداية 2009. كانت تبذل وسعها وتخوض معارك كلامية ضد أنصار الصهيونية لأن حربنا حرب عقول قبل أن تكون حرب جيوش.

ثم عرفت خولة في الحق قوية، ترد يد رجل امتدت لمصافحتها، تعتذر بهامة مرفوعة وعزيمة ثابتة ولا يطرف لها جفن. عرفت تلكُمُ الخولة حين التقيت بها في عمل خيري قبيل شهر رمضان. رأيت صديقتي التي أحببتها رغم المسافات وسُعدت بلقياها. أذكر جيدا تلك الفتاة التي تتقد عيناها ذكاءا، تزين بدنها بلباس التقوى احتشاما، وابتسامتها تزيدها إشعاعا. نعم هذه صديقتي في كلمتين: عينان تلمعان وابتسامة مشرقة.

ثم عرفت خولة كاتبة، تنشر فصولا لرواية أسمتها "رحلة الألف ميل" في المنتدى.  تقص علينا نبأ فتاة صغيرة مسلمة في تونس، وأخرى يهودية  في لبنان يجمع القدر بينهما في قصة حقيقية ترويها لنا خولة بأسلوب جميل. كنت مدينة لها لأنها كانت السبب في عودتي للغتي الفصحى وقد باعدت بيننا سنوات الدراسة الجامعية. وعجبت لخولة ولتمكنها من الكتابة بالعربية.

لم يدر بخلدي حينها أن هذه الفصول المنثورة في برد المنتديات ستجد سبيلها  إلى دفئ المطابع والورقات، وأن أفئدة من الناس ستهوي إليها وتقلب أحداثها في صفحات. لم يجل بخاطري أبدا أن حفنة القراء ستصير عشرات ومئات، ولا حسبتني يوما ألج إلى مكتبتي المفضلة فتطالعني رواية خولة متربعة على عرش الرف الرئيسي كالملكة. ولا دريت أن هذه القصة الواقعية الملتزمة ستشق طريقها إلى النجاح وأن صاحبتها ستحفر اسمها على حجر الذاكرة الأدبية. تلك التي صارت دكتورة بعد أن كانت مهندسة، وزوجة وأما وكاتبة ناجحة. تلك التي تصغرني بعامين وتكبرني بثلاث كتب، تلك التي ألهمتني حتى كتبت عنها هنا. واليوم أعود لأستضيفها في خربتي المتواضعة، لأتعلم منها كيف تكون صناعة النجاح وكيف تكون الهمة العالية وكيف السبيل إلى إنجاز وعودنا لأنفسنا، تلك الأنفس المسرفة في القول الشحيحة في الفعل.

لَيْسَ بِأَمَانِيِّيكُمْ

إنَّ الله لاَ يُغيِّرُ مَا بِقَومٍ 


خولة لم تقرأ هذه المقدمة ستكتشفها مع القراء الأعزاء، منكم من يعرفها ومنكم من أرجو أن أكون سبيله للتعرف عليها وإليها أهدي هذه المقولة. 



لقد قمت بتعريفك على طريقتي، فكيف تعرفين أنت نفسك في هذه النقطة الزمنية بالذات؟
 شابة مسلمة عربية تونسية، زوجة وأم لطفلتين، أستاذة جامعية وباحثة، ومبتدئة في الكتابة الروائية.. والله المستعان على كل هذه الوظائف.


ماهي فلسفتك في الحياة؟
 استفت قلبك ولو أفتاك الناس وأفتوك وأفتوك.
رضا الناس غاية لا تدرك.
لو تعلقت همة العبد بما وراء العرش لناله.
اسأل الله البخت، وخذ بالأسباب.


كيف كانت بداياتك مع الكتابة؟
بدأت الكتابة منذ الطفولة، في سنّ الحادية عشر تقريبا، مع قصص المغامرات.. بدأت قصيرة ثم تتابعت صفحاتها. في المدرسة الإعدادية، كنت أقرأ محاولاتي على صديقاتي  كلما توفرت ساعة استراحة. ثم في المدرسة الثانوية أغرمت بالشعر الحر، محاولات كنت أكتبها على سبورة الفصل، فينسخها الزملاء.. وفي سنّ السابعة عشرة كتبت أول رواية لي.. وامتدت مساحة القراء لتشمل فتيات العائلة من بنات العم. وفي كلية الهندسة، بدأت أكتب بشكل منتظم على المنتديات الالكترونية وتوسعت قاعدة القراء بشكل أكبر.


هل خطر لك أن تصبحي كاتبة قبل أن تكبري وتذهبي إلى الجامعة؟
حتى بعد أن كبرت ودخلت الجامعة، لم يكون هوس أن أكون "كاتبة" يشغلني. أذكر أنني في أولى سنواتي الجامعية كتبت رؤيتي المستقبلية للسنوات العشر القادمة، ولم يكن من ضمن أحلامي أن أنشر كتاباتي.. أردت أن أكون أستاذة جامعية، وقد فعلت والحمد لله.. وأن أنشئ شركة هندسية، وقد عدلت عن الموضوع والحمد لله! حين أنهيت كتابة في قلبي أنثى عبرية، خطرت ببالي فكرة النشر.. وكنت قد كتبت قبلها روايتين وبضع قصص قصيرة لم أرها صالحة للنشر الورقي.


ماهو سر نجاحك؟
 كنت طالبة متفوقة منذ سنوات دراستي الأولى وحتى تخرجي والحمد لله، ولم يكن الفشل أمرا واردا في قاموسي. لكن النجاح في مجال الكتابة أمر  آخر.. فالقراء قد يرفعونك إلى السماء في لحظة بمدحهم، ثم يخسفون بك الأرض في اللحظة التالية. النجاح في الكتابة لا يقدر بنشر كتاب أو اثنين أو نفاد طبعة أو عشرة.. بلى يبنى على مدار سنوات عديدة. دعينا نتحدث في موضوع النجاح بعد سنوات من الآن إن مد الله في أعمارنا وننظر هل سيصمد اسم خولة حمدي في مجال الكتابة..


كيف تقيّمين نفسك؟
هناك نوعان من التقييم: التقييم الذاتي والتقييم الخارجي. أقيّم نفسي حين أعود إلى قراءة ما كتبت بعد فترة، فإن لم أشعر بالرّضا تجاه النّصّ يكون أسلوبي في تطوّر، وإن لم أجد فيه ما يستحقّ التعديل، فغالبا أكون في فترة جمود.. فأتوقف عن الكتابة وأقرأ أكثر. أمّا التقييم الخارجي فهو من أشخاص أثق في آرائهم، أو القراء الذين يشاركون بمراجعتهم للروايات على موقع الجودريدز أو في مواقع التواصل الاجتماعي. إذا وجدت نفس الملاحظة تتكرّر أكثر من مرّة، فالأغلب هو أن القراء على حقّ حتى لو لم أكن أملك نفس النظرة.. فنظرة القارئ قد تكشف عن أشياء لم ينتبه إليها المؤلف. وأحاول قدر المستطاع تجاوز الثغرات السابقة في الأعمال المقبلة.


ماذا تقولين للذين يخالفونك؟
لن أقول أنّ "الاختلاف لا يفسد للودّ قضية"، فكثيرا ما كان الاختلاف بين أفراد المجتمع الواحد في الإيديولوجيا أو المرجعيّة سببا في الفرقة وأحيانا القطيعة.. وقد حاولت معالجة هذا النوع من الخلافات في غربة الياسمين من خلال صداقة رنيم وياسمين اللتين تمكنتا من تجاوز الأحكام المسبقة وأضافت كل منهما إلى تجربة الأخرى. ليس التطبيق على الواقع سهلا وبسيطا.. لكنه ممكن. فإن تعذّر التواصل وسدّت السّبل، أقول كما قال عمر في ذات الرواية: "لست ساعيا لإرضائهم أو نيل مباركتهم.. ولن أغير مساري لأنه لا يعجبهم، لذلك من العبث الاهتمام بما يقولون."


ألا تعتقدين أنك تكتسبين حب الكثيرين خاصة لأنك تضربين على وتر الدين؟
عادة، من يريد كسب الانتباه بسرعة، يتطرق إلى ثالوث (الدين، السياسة، الجنس).. لكن المعني بالدين هنا هو التجرؤ والتجاوز والمس بالذات الإلهية أو الرموز الدينية.. أما اعتماد المرجعية الدينية في النص الأدبي فهو غالبا ما يعتبر في نظر النخب المثقفة "تخلفا ورجعية"! لذلك إن قلتِ أنّ العزف على وتر الدين مدعاة للنجاح وحصد الإعجاب، قلت: الحمد لله! فمازال في الأمة خير! وغيري يعزف على وتر المشاعر والحب، أو الحريّة والتحرّر.. وغيرهم على أوتار كثيرة أخرى.. ولكل آلاته وأوتاره.


بماذا تفكرين قبل أن تكتبي شيئا؟ ماهي أهدافك؟
أحاول أن أقدّم شيئا جديدا ومختلفا عن الموجود.. أقوم ببحث استقصائي، مثلما أفعل في الأبحاث العلميّة، لاأتأكد من أنّ الموضوع لم يتمّ التطرّق إليه سابقا في روايات أخرى، وإن كان موضوعا دارجا، فأحرص على تناول مختلف..

هدفي أن أكتب روايات ممتعة ومفيدة في نفس الوقت. حين أشرع في كتابة نص ما، أستحضر النية وأحدّد الرّسالة.. وأتمنى على الله ألا أكتب يوما شيئا بلا هدف أو رسالة.. فإن فعلت، أكون قد فقدت البوصلة، فلا يتردّد القرّاء في تنبيهي وإعادتي إلى جادّة الصواب.


كيف ترين الساحة الأدبية العربية اليوم؟
الساحة الأدبية العربية اليوم مبشرة بكل خير. اهتمام الشباب العربي بالكتابة ارتفع كثيرا في السنوات الأخيرة، حتى أنّ البعض في مصر يسخر من الظاهرة قائلا أن عدد المؤلفين صار يضاهي عدد القراء.. مؤلف لكل قارئ! والمنافسة على أشدها، وأثق أنه خلال سنوات قليلة ستبرز أسماء مميّزة بإذن الله.


والتونسية بالخصوص؟
بصراحة، لست متابعة بشكل جيد للأقلام التونسية، وهذا تقصير مني. لكنني بدأت في مطالعة بعض النصوص مؤخرا.. وسعدت بالأسماء الشابة التي وجدتها، وسأحرص إن شاء الله على الاطلاع على إنتاج بلدي أكثر..


بماذا تنصحين الشباب الذي يحلم بالكتابة؟
القراءة، كثيرا. وممارسة الكتابة كثيرا. القراءة تمكن من التعلم والاكتشاف وتوسيع المدارك، والممارسة تصقل الموهبة وتنمي الأسلوب. المحاولة الأولى غالبا لا تنشر. معظم المؤلفين الشباب الذين نجحت إصداراتهم الأولى إمّا أمضوا وقتا طويلا في تعديلها حتى استوت في شكلها النهائي أو كتبوا أكثر من نصّ حتى وجدوه صالحا للنشر فخرج إلى النور.. لذلك لا داعي للتسرع حتى لا تكون هناك خيبة.


ماهي أصعب اللحظات التي اعترضتك ككاتبة؟
الفترة الأولى بعد خروج النص إلى النور تكون مشبعة بالتوتر والقلق. لا تدري كيف سيتقبله القراء وهل سيلقى قبولا منهم.. والنقد الأوّل قد يكون مؤلما وقد تستقبله بحساسيّة زائدة، لأنّك تكون في حاجة إلى طمأنة.. وبمرور الوقت تتناقص الحساسيّة ويهون أمر النقد، لأنّك قد شرعت في التحضير لعمل جديد، وتحاول التعلّم من التجربة السابقة.

والفترة الأخيرة قبل اتخاذ قرار النشر تتسم بالارتباك أيضا. يكون النص مدققا وكاملا والغلاف جاهزا، ودار النشر تنتظر الإذن بدخول المطبعة، وأنت تعيد قراءة النص في غير رضا وتفكر في تغيير كل شيء!

وإذا رجعت إلى الوراء، فإنّ تجربة النشر الأولى هي أكثر المراحل صعوبة.. البحث عن دار النشر المناسبة، تقييم العقد المقترح هل هو مناسب أم لا، وضع ثقتك في شخص قد يخونها.. كلها لحظات متوترة حتى تكتسب الثقة.


كيف توفقين بين عملك ورعاية أهلك والكتابة؟
 لا أراني أوفق كثيرا.. فالغالب أن جانبا ما يأخذ الأولوية في كل فترة. إذا كانت هناك اختبارات أو مؤتمر علمي أو تحضير لمادة جديدة، أنسى الكتابة تماما! والعائلة لها الأولوية المطلقة في كل الأحوال! أحاول أن أنفرد بنفسي في المكتب ساعتين في الأسبوع دون تشويش لأتمكن من الكتابة، مما يعني أن النسق ضعيف وبطيء. الإجازات تمكنني من تقدم أفضل..  والله المستعان.


بعد ندى وياسمين ماذا تخبئين لنا؟
 الرواية الجديدة البطولة المطلقة فيها لرجل.. والنص بضمير المتكلم. وهذا ما أعتبره تحديا جديدا في تجربتي الروائية.


وفقك الله وجزاك خير الجزاء ولك كلمة حرة في الختام.
تحية لك عزيزتي إيمان وإلى قراء مدونتك، وشكرا على استضافتك وأسئلتك الشيقة.. وبالتوفيق لك في تجربة الكتابة. أتمنى أن أقرأ لك كتابا في وقت قريب.

هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيَهْ



 :) هذه إضافة خولة، فماذا أضفنا نحن؟ 

هناك 3 تعليقات:

  1. مبادرة تشكرين عليها إيمان ..كان بإمكانك جمع أسئلة من القراء والتوجه بها للكاتبة , كانت تلك إضافة جيدة للمقابلة :)

    ردحذف
  2. بارك الله فيك ربيعة، هذه فكرة قيمة لم تلتمع في مخيلتي، كانت مبادرة عفوية مني لأني شخصيا أردت أن أستفيد من تجربة صديقتي الكاتبة فأجريت معها هذا الحوار عوض أن أرسل لها رسالة شخصية، كي تعم الفائدة.

    مرحبا بيك في الحوش :)

    ردحذف
  3. حوار جميل جداا :) .. تحياتى لكى يا صاحبة الذكر الطيب فى قلبى ^^

    ردحذف

Cher journal

Cher journal En ce temps de sécheresse artistique et d'absence de vrais tourments et de réels "problématiques" dans ...