2/12/2015

عن القراءة والكتابة 1


في سالف العصور كنت أطالع فقط للتسلية. كنت أقرأ بنهم وشغف وأفرح كثيرا بكل كتاب جديد يقع في يدي. لأمي الفضل الجم في غرس بذرة المطالعة في تربتنا الطرية. لم يحتج الأمر إلى كثير استهواء بالنقود ولا طويل استمالة  بالوعود، لقد وقعنا في الشرك وحكم علينا بحب الكتب وإدمان المطالعة لا سيما في العطل المدرسية وما أكثرها !

وما إن ذهبت إلى الجامعة واكتويت بنار المعهد التحضيري للدراسات الهندسية حتى نسيت كل شيء عن الكتب وعن العربية. كنا أيام الثانوية نتمتع بامتياز خاص ونحتفل على طريقتنا بانتهاء العام الدراسي. إذ كنا نستعير كتبا كثيرة من المكتبة نأثث بها أيام الصيف الطويلة. والفضل يرجع إلى سمعة أمي الطيبة التي كانت تشتغل أستاذة بالمعهد. أما وقد خرجنا منه فلم يعد هذا ممكنا. أم أننا فقدنا اهتمامنا بالكتب بسبب الدراسة الجامعية وضيق الوقت وبعد الطريق؟

لا أستطيع أن أجزم إن كنت تخليت تماما عن عادة القراءة طيلة سنوات دراستي الجامعية بل هو أمر مستحيل (أذكر أنني قرأت أولى إبداعات أمين معلوف وأنا طالبة في مدرسة المهندسين). لكنّي عدت بعد تخرجي إلى المطالعة وأردت أن أكتشف عوالم جديدة. لقد اكتفيت من الأدب الكلاسيكي الفرنسي ومن كل تلك الكتب التي تصطف على رفوف مكتبتنا العائلية. لقد حلبت جيدا تلك البقرة العجوز وما عاد لي حاجة في قطراتها الأخيرة. أريد أن أطالع الأدب الروسي، بدأت بالإخوة كارامازوف وكانت مطالعة صعبة إذ أن الكتاب يعج بالمناقشات الفلسفية بل إن أحداثه كلها تدور في أربعة أيام فقط وعلى امتداد ألف صفحة صبرت عليها صبرا جميلا أو قبيحا. ثم قرأت الجريمة والعقاب ولشد ما أعجبني ذاك الكتاب وهو من القلة القليلة  من الكتب التي أتمنى إعادة قراءتها. لكن ليس الآن، بل حتى أصبح عجوزا ويذهب أحفادي إلى الجامعة. هناك ما هو أهم وهذا ما جئت للخوض فيه.

لقد فقدت براءتي أو لنقل سذاجتي وغفلتي. لم تعد المطالعة بالنسبة لي، فقط مجرد فضول وشغف وحب اطلاع. لم تعد القضية مجرد انفتاح على العالم وتحسين لغة وتقويم عبارة. لم يعد الأمر مجرد ترف فكري أو متعة بحتة أو صدفة محضة. كان علي أن أرتقي بمطالعاتي وأنتقي اهتماماتي وأعتني باصطفاء صفحاتي، تلك التي سأهبها أنفاسي المعدودة ولحظاتي. الحياة قصيرة ومشاغلها كثيرة ولا يكفينا عمر واحد لقراءة كل ما جاد به الفكر الإنساني والخيال الأدبي والقريحة الشعرية والبحوث العلمية والمقالات الفلسفية. والمسلم بالذات يعرف أن أوقاته ثمينة وأنفاسه عزيزة، يجب أن لا يهدرها في مطالعات رخيصة وسفاسف تعيسة لا تنمي معرفة علمية ولا تعزز عقيدة إيمانية ولا تغذي قيما جمالية ولا تشحذ همما ولا تناطح قمما ولاتُذكّر ولا تُنوّر، ولا تُقدم أو تُؤخر!

وإذا كنا نبذل جهدنا في اختيار وصنع غذاء الأجساد فكيف نهمل غذاء القلوب وزاد العقول وذخر الأرواح؟ أنصرف أيامنا كيفما اتفق ولن تزول أقدامنا حتى نُسأل عن أعمارنا فيم أفنيناها وعن أجسادنا فيم أبليناها؟ يا من لا تحسنين إلا قراءة قصص الحب والغرام وتسهرين الليالي الطوال وتبلين جسدك وتشغلين بالك بأخبار العشاق. يا من لا تستهويه إلا قصص الجريمة والبوليس، يا من لا تمل ولا تكل من أخبار الجرائد وتحاليل الرياضة وتفاصيل السياسة ألا ترتقي بنفسك؟ ألا تغار على وقتك من أن تنفقه في أخبار لا تنتهي، ولا تنفع ولا تغني؟ أنطالع سير غاندي ومانديلا ونحن أجهل ما نكون بسيرة المصطفى؟

لا حول ولا قوة إلا بالله !

هناك تعليقان (2):

  1. بارك الله فيك ايمان. رزقنا الله الفهم و البركة في الوقت. ءامين

    ردحذف
  2. وفيك بارك حبيبتي وآمين على دعائك، ربي يهدينا لما فيه صلاحنا :)

    ردحذف

Cher journal

Cher journal En ce temps de sécheresse artistique et d'absence de vrais tourments et de réels "problématiques" dans ...