12/06/2013

ماذا علمونا في حصة التربية الإسلامية؟ 2




أما السنة الثالثة فهي سنة العصر الذهبي في مادة التربية الإسلامية ولن أنسى تلك الأستاذة الصغيرة في العمر، النحيلة في الجسم، العميقة في الأثر..

أستاذتي كانت فتاة في مقتبل العمر، قمحية اللون، هادئة، دائمة الابتسامة. وهي من بين جميع من درسوني التي خلفت في نفسي أثرا عميقا. أذكر جيدا أنها حببتنا كثيرا في الدين، وجعلتنا نستشعر عظمة الله ونوقره. فإذا تكلمت تعلقنا بشفتيها وأصخنا السمع وأصغينا لحديثها وكأن على رؤوسنا الطير. كانت فعلا تعلمنا ما جهلنا وتضيف لنا الجديد في القرآن والحديث والأحكام. وأذكر ولا أنسى أنها في مرة تحدثت فيها عن بطش الله وما أعده للظالمين والمذنبين والمفرطين .. فهتف بها زميل لنا مشاكس في القسم: "ولكن يا آنستي إن الله غفور رحيم"، فأجابته وعلى محياها ابتسامة ظفر: "وإنه شديد العقاب". وانفجر القسم بالضحك. أجل هذه هي المعادلة الصعبة اليسيرة لمن يسر الله له... هكذا حال المؤمن بين الخوف والرجاء فلا هو يطمئن كل الاطمئنان ولا ييأس كل اليأس ونتيجتهما القعود عن العمل.

كانت ذكريات لذيذة مع هذه الأستاذة الفريدة كاللؤلؤة تتصدر وسط العقد، العقد الذي انفرطت حباته فتركتنا ولما ينته العام الدراسي بعد. لا أذكر السبب ولكني أذكر حسرتنا على فقدها تلك التي جعلتنا نرقب حصتها بفارغ الصبر ونتلهف على ما ستبثه في نفوسنا من إيمانيات وما ستنفثه في روعنا من نفحات وروحانيات كنا في أمس الحاجة لها ونحن نودع زمن الطفولة ونخطو حثيثا إلى سن الرشد والتكليف. ذهبت الآنسة المحتشمة اللباس المتواضعة خَلقا وخُلُقا وحلت مكانها السيدة المعوضة. امرأة أرستقراطية تلبس تنورة قصيرة وتلون وجهها بشتى أنواع المساحيق وتسرح شعرها بتسريحة قصيرة عصرية وتضع رجلا على رجل على مرأى ومشهد من المراهقين الصاعدين المتشوفين ل... للمستقبل. كانت امرأة شابة جميلة وفاتنة وأنيقة ولكنها في ذات الوقت متعجرفة وسليطة. وسرعان ما تحولت الأجواء الإيمانية التي كانت تضفي على حصة التربية الإسلامية نوعا من الرهبة اللذيذة الممزوجة بالرغبة العارمة في التعلم والاستزادة من فيض القرآن والسنة، سرعان ما تحولت هذه الأجواء الزكية إلى أجواء أخرى مختلفة تماما. لقد أيقظت هذه الحسناء الشياطين الكامنة في نفوس الشباب. كانت صورة كاريكاتورية. ربما تصلح هذه الأستاذة لتدريس مادة الموسيقى أو الرسم أو المسرح أو حتى الخياطة، أما أن تأتي بزيها المستفز وبنظرتها المستعلية وبشفتيها القرمزيتين لتعلمنا قال الله قال الرسول فهو ضرب من الميوعة وما يعبر عنه بالفرنسية بالمزاح الأسود. لا لم تكن النكتة جيدة بل كانت سمجة أوقفوا هذا التهريج، أعيدوا لنا معلمتنا البريئة!  

لم نكن أحسن حظا في السنة الرابعة ثانوي، فقد كانت الأستاذة أيضا تلبس القصير وتضع رجلا على رجل غير متفطنة لما يسببه ذلك من سخرية ووشوشات إلا أنها كانت كبيرة في العمر، ضئيلة في الحجم وغير ذات جمال. وكنا نسمع منذ بدأ العام الدراسي عن ضعف شخصيتها وخوفها من التلاميذ المشاغبين طوال القامة لا سيما منهم زميلنا الذي كان يعيد السنة. أذكر أننا درسنا في ذاك العام مادة العقيدة وحديثا يطول عن الخوارج والمعتزلة وغيرهم. كانت الأستاذة ضئيلة الحجم لكنها شديدة الانتقام. أجل لقد وجدت طريقة لتنتقم منا: كانت تملي علينا الدرس بسرعة جنونية ولا تتوقف أبدا ولا تجيب من يستنجد بها لتعيد الجملة أو الكلمة أو لتتمهل قليلا. وجهها حديدي صلب تقرأ عليه أمارات الألم. أجل كان ذلك سلاحها... ومن العجيب أنني في الحصة الأولى وقبل أن أعرف عنها شيئا خفتها أشد الخوف، فقد بدت لي صارمة ومتيقظة ومتحفزة للقتال. لكن سرعان ما اكتشفت حقيقتها: ضعف مغلف بالصرامة، تأتي لتصب الدرس صبا ثم تخرج. قد تشرح بعض الأشياء ثم تبدأ في الإملاء كالرجل الآلي. كنت قد كبرت ونفد صبري فما عدت أحب الحفظ. كنت أتهرب من بداية الحصة حيث كانت تختار منا من تعرضه لامتحان شفوي قصير ووجدت ضالتي ومهربي ومنفذي في الطلاسة أبللها وأمسح بها الصبورة. كم كنت أحب أن أمسح الصبورة خاصة عندها. أخرج من القسم مرات ومرات وأغسل الطلاسة عشرين مرة وأتباطؤ وأقتل الوقت حتى تفرغ هي من استجواب سيئي الحظ. ولعلها تفطنت لمسرحيتي البائسة لكنها دعتني وحالي. إلا أن القيمة لم تدعني في حالي، بل انتهرتني ووبختني وطلبت مني أن أعود إلى القسم وأكف عن العبث والتجول خارجا وقت الدرس بتعلة مسح الصبورة. ولم أبخل عليها بالدعاء...

أذكر أن أستاذتي تشاجرت مرة مع زميلنا الطويل وطردته من القسم. ولما وضع قدمه خارجا وظنت أنه لم يعد يسمعها تمتمت في سخط: "الشارع أولى بك". فإذا به يعود أدراجه كالأسد الهائج ويخطو نحوها كأنه لن يتوقف عندها ويضع وجهه في وجهها ويصيح : "الشارع أولى بيا وبيك"! كان المشهد مبكيا مضحكا وكان عليها أن تتماسك وتضبط أعصابها وربما جاهدت لتدفع الدموع التي قد تسابقت إلى مقلتيها. مسكينة، واصلت الدرس بعد تلك الإهانة... لكنها عرفت أخيرا كيف تحمي نفسها وتتخلص من ثلث القسم لا سيما الأشقياء ... أصبحت في أول كل حصة تقوم بدورية فمن لم يحضر كتابه معه يرفت من القسم. وكنت أود أنا وأختي أن نفعل مثل زملائنا فنتعمد عدم جلب الكتاب لنخرج ونرتاح من حصتها الثقيلة البطيئة لا سيما وقد غيروا جدول الأوقات فأصبحنا ندرس عندها ساعتين متتاليتين صبيحة يوم السبت! إلا أن أمي هددتنا بأقسى أنواع العقاب إن نحن فعلنا ذلك وبالتحديد أنها ستوقفنا عن الدراسة ههه. فوجدنا عزاءنا في قلب نظام القسم قبل مجيء الأستاذة المسكينة. نقلب الطاولات والكراسي ومكتبها ونلصق كل شيء بعضه ببعض فإذا جاءت أضعنا ربع ساعة لإعادة التنظيم ولاستتباب الأمن. فوضى عارمة في كل مرة عند دخولها إلى القسم، حتى أن هناك من كان ينظر في عينيها وينعتها بالعجوز الخرقاء ويدعو عليها وهي تنظر إليه لكنها لا تميز ما يقول. فعلنا فيها الأفاعيل مما يطول سرده ولا أجدني سعيدة بهذه الذكريات بل حزينة... لم نكن أطفالا بل مكلفين وحرام علينا ما فعلناه وأرجو أن يغفر الله لي ولإخوتي ولهذه المرأة المسكينة التي ابتليت بزمان شعاره ... قم للأستاذ وفه الشعير كاد الأستاذ أن يكون حميرا!

وإنا لله وإنا إليه راجعون في حصة التربية الإسلامية التي لم نتعلم منها شيئا غير القسوة والخبث ولم تعد تلك المادة تعني لنا شيئا!


يتبع إن شاء الله

هناك 5 تعليقات:

  1. إلا أن أمي هددتنا بأقسى أنواع العقاب إن نحن فعلنا ذلك وبالتحديد أنها ستوقفنا عن الدراسة ههه

    ههههه خسارة ما هددونيش بالعقاب هذا :(

    أساتذة "الإسلامية" إلي قريت عندهم كانو في اغلبهم لباس أو يعديو رواحهم ... إلا زوز وحدة منهم من نوع أستاذتك متاع الرابعة ثناوي إلا أنها كانت جميلة. كانت حصتها تحطم أرقام قياسية في عدد الحضور .. حتى إلي ما يقراش في قسمنا يدخل ههههه
    لدرجة أنه كان معانا واحد بليد طلعتوا يقرا القرأن .. قالها أعوذ من الأستاذة ومن الشيطان الرجيم هههه ..

    يا حسرة كنا لا نبالي

    ردحذف
  2. السلام عليكم
    و أخيرا لقيت الوقت باش نقرا تدويناتك ! يعطيك الصحة

    الأستاذة الثانية (اللي تعوض في أستاذتك الأولى الطيبة) فكرتني في وحدة قراتني تفكير إسلامي في الأولى ثانوي ( رابعة ثانوي بالنسبة لجيلك :P )
    ، كانت تلبس ديما قصير، و تجي كالباندية، تقول للأولاد (أطول منها): كان باش تمرجني نطيشك من الشباك !
    هههه، موش عارفة روحها فاش تقول
    نتفكر زادة وحدة ، الحمد لله ما قراتنيش، مرت المعتمد في عهد بن علي، شعرها مصبوغ أصفر ككل العرايس و ووجهها لوحة زيتية بالماكياج .. و إنا لله و إنا إليه راجعون

    الحمد لله، قريت عامين عند أستاذ وقور و محترم، و كنا حتى نسألوه أسئلة شخصية و هو يجاوب و يعطينا الحلول .. ربي يبارك فيه

    و الحديث يطول، و ماعاد عندي ما نقول :P

    في انتظار البقية ان شاء الله
    نهارك زين

    ردحذف
  3. ça y est البقية كتبتها :p merci pour le partage et ton commentaire qui m'a fait très plaisir, tu sais y a de drôles de témoignages, une amie m'a dit qu'une fois son prof était athée, il venait de perdre sa femme et ses filles dans un accident, et il disait toutes sortes de blasphèmes ... donc on s'estime "heureux" quand on compare ! :D

    ردحذف
  4. Ana par contre 9rit 3and prof excellent. Il ignorait le programme et essayait à fond de nous apprendre quelque chose d'intéressant, mais j'étais très con pour le réaliser. Konna n9oulou 3lih y5alwadh w netchakkéw kifech ma ytabba3ch fel programme :/

    ردحذف

Cher journal

Cher journal En ce temps de sécheresse artistique et d'absence de vrais tourments et de réels "problématiques" dans ...