لم أكن أتخيل وأنا أطالع الفصول الأولى من هذه الرواية في منتدى تونسي أنه سيأتي اليوم الذي أتصفح فيه بيدي كتابا يحمل عنوان الرواية واسم صاحبتها، لم يدر بخلدي قبل أعوام مضت أني سأنتقل من برودة الشاشة إلى دفء الورق، كنت ولا زلت أكره القراءة من شاشة الحاسوب لكن رواية خولة شدتني خاصة وأنها روت عندي تلك الحاجة الماسة لإعادة التواصل مع اللغة العربية، بل يأسفني أن أقول إعادة التصالح معها. فمنذ بداية دراستي الجامعية انقطع حبل الود الذي بيننا. كنت قبل ذلك شديدة التعلق باللغة العربية إلى جانب الفرنسية وقضيت الساعات الطوال في المطالعات اللذيذة .. لذلك كانت رواية خولة بمثابة جسر تواصل مع الأيام الخوالي، كنت مع ثلة من الأصحاب نتردد على هذا الركن من المنتدى الذي سميناه بالمكتبة وكنا نتنافس في السبق لقراءة الفصل الجديد حال نشره والتعليق عليه .. ومع تقدم الرواية وتطور أحداثها وجدتنا متعلقين بريما الفتاة اليتيمة المسلمة التي كان لها أيما تأثير على ندى الفتاة اليهودية ..
لم أكمل قراءة الرواية على المنتدى إذ هجرته بشكل عام وكان نشر الفصول متباعدا .. ومضت الأيام فإذا بصديقتي المبدعة تبشرني بأن الرواية ستطبع ويتم نشرها. كنت فخورة ومعجبة جدا بها، أنا التي طالما حلمت بكتابة كتاب. لقنتني خولة درسا في الجد والمثابرة عسى الله أن يزيدها نجاحا وتفوقا ويبارك لها سعيها. أخيرا اقتنيت الرواية وكلي فخر، حتى إني قمت بصور تذكارية مع صديقاتي لتخليد "اللحظة التاريخية" التي لم نهرم من أجلها، فخولة كاتبة شابة لم تضيع وقتها وسارعت بإضافة شيء جميل للبشرية، ليست من أولئك الذين يعيشون ويموتون ولا يتركون أي أثر في الوجود. خولة قررت أن تضع بصمتها على صفحة الإبداع الهادف والفن الملتزم ويسعدني أن أقول بأنها نجحت في ذلك نجاحا باهرا.
لأن هذه الرواية من أسمى ما قرأت ولأن غايتها من أنبل الغايات ولأنها من أجمل الأعمال التي يتمنى المرء أن يلقى الله بها. فإذا لامست أناملك هذه الرواية وجرت أعينك بين السطور تأكد أنك بصدد قراءة قصة واقعية تجري وقائعها بين تونس ولبنان، بين اليهودية والمسيحية والإسلام، بين الحب والحرب، بين الحياة والموت، بين الإنسان والإنسان.. كل ذلك بأسلوب جميل وتسارع في نسق الأحداث والأفكار والتزام بما قل ودل، هي الرواية الملتزمة بأتم معنى الكلمة فلا مكان فيها للإيحائات الرخيصة والحشو المبتذل. وعندما قرأتها كدت أصرخ: أما يكتبه علاء الأسواني مثلا من روايات يحشوها بالمشاهد الجنسية الساخنة وبنماذج المسلمين الهابطة لينال بها جوائز عالمية خير مما كتبته خولة؟ وقد جمعت بين قوة الواقع وتسارع الأحداث وأهمية القضية المطروحة وحساسيتها مع جرأة الطرح وعمق التحليل؟.
هذه الرواية أبكتني في مواطن عديدة، بل إني أجهشت بالبكاء المرير على ريما بل على ندى بل عليهما معا، عندها أدركت أن صديقتي خولة نجحت، فبكائي ذاك ليس إلا ترجمة لنجاحها في تصوير شخصيات الرسالة بطريقة تجعلنا نراهم رأي العين، لا نرى صورهم وأشكالهم ولكن نرى الإنسان فيهم، أي أننا نرى أنفسنا في الآخر وهذه ميزة كبيرة ومحرار النجاح في الأعمال الأدبية حسب رأيي. هذا الكتاب هزني وشدني إليه إذ أن عموده الفقري يتمثل في أهم ركن من أركان الحياة : العقيدة. هو من تلك الكتب التي لا تقوى على تركها حتى تنهيها وعندماتنهيها تترك في نفسك أثرا جميلا، هو من تلك الكتب اللتي لا تخجل من جعل المتحابين يتزوجون في النهاية وكم أعجبتني تلك النهاية وكم وددت لو لم تنته.
كنت أفضل أن يبقى عنوان الرواية كما عرفتها في المنتدى : "رحلة الألف ميل" هو عنوان رائع خاصة عندما نصل إلى النهاية لكن خولة اختارت مع الناشر عنوانا أكثر استفزازية وإثارة لفضول الناس، بعضهم عرض عليها شراء كل النسخ ظنا منه أنها تروج لليهودية وليته قرأ الرواية أولا، ولكن قومي لا يعلمون
عموما "في قلبي أنثى عبرية" رواية رائعة، مسلية ونافعة، فريدة من نوعها، ملتزمة وهادفة، هي رواية راقية أنصح الجميع بقراءتها
أما صاحبتها فكما قلت لكم : اسمها خولة ..