لو
قالوا لي سابقا أيام الظلامية النوفمبرية أنه سيأتي يوم بل أيام يتصدر فيها الشيخ
وجدي غنيم أنباء النشرة الرئيسية للقناة البنفسجية لما صدقت. ولكني أستعير كلمات
المواطن التونسي الشهير فأقول: هرمنا ... وجدي غنيم يصنع الحدث، ولكن ليس كما كنا
نتمنى للأسف... فمنذ قدومه إلى تونس تعرض لحملة شعواء من قبل نفس الوجوه التي كانت
بالأمس تصدر البيانات وتشتكي لبوها الحنين شين الهاربين تفاقم ظاهرة الحجاب، إذ
عمدت شرذمة من المرضى الحاقدين والجهلة المتطرفين إلى تشويه صورة الشيخ بدعاوى
كاذبة مستندين في ذلك إلى فتواه المزعومة بختان البنات. ودون أن يتثبت شعب فايسبوك
المجاهد من صحة الادعاءات سارع إلى إدانة الشيخ بل ونعته بأقبح النعوت. في حين أن
الدكتور وجدي غنيم لم يعدم وسيلة لتبرئة ساحته مما نُسب إليه من كذب وافتراء، مرة
عبر اتصال هاتفي بإذاعة شمس ف.م. ومرة في حصة كاملة بإذاعة الزيتونة وتارة عبر
شريط مصور نزل على اليوتيوب ولكن أبى المكابرون إلا أن يتجاهلوا الحقيقة، صم بكم
عمي فهم لا يعقلون. ووالله إني أرى مَثَلهم كمَثَل من قال تبارك وتعالى فيهم :
وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا
فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا
(الأحزاب 58)
وكما قال الشيخ الفاضل مشكلتهم ليست معه بل مع الإسلام ودليل ذلك أنهم بدأوا يتحضرون منذ الآن لاصطياد التهم وتلفيقها لكل من المفكر الإسلامي الكبير طارق
رمضان والشيخ الداعية الفاضل محمد العريفي ولا أستغرب حتى أن يتهموا الدكتور
العلامة الموسوعي عدنان إبراهيم إن حدثته نفسه بزيارة تونس ويلصقوا به تهمة التشيع
مثلا... وبسبب هؤلاء العلمانيين المتطرفين الذين لا يقرون بالحرية إلا إذا تطاولت
على الذات الإلاهية ولا يعترفون بالديمقراطية إلا إذا تطابقت مع أيدولوجياتهم اللائكية
ولا تتعالى أصواتهم بالعويل والعواء إلا إذا هُددت حرية الفن الهابط وسقط المتاع
ولا يبكون على الأموال العمومية إلا عندما تُوجه لدعوة الشيوخ والعلماء، بسبب
هؤلاء المنفصمين شخصيا الذين يمارسون الإقصاء وينددون به، تحولت نعمة وجود الشيخ
وجدي بيننا إلى نقمة، أو هكذا يريدون تصويرها. وللأسف نجد حتى بعض محبيه
ومناصريه يمتعضون من خطابه ويتحزبون للكلمة الشاعرية التي ألقاها المحامي مورو على
التلفزة اللا وطنية. وكان من المنتظر لمن عرف الشيخ وتابع مسيرته وسمع كلامه وعرف
طبعه أن يكون خطابه لمن ناصبوه العداء شديد اللهجة. فهؤلاء العلمانيون المتطرفون
نسوا حتى آداب التعامل والحد الأدنى من الأخلاق فالشيخ حل ضيفا علينا ومن الحري أن نرحب به أو
على الأقل أن نكف عنه شرنا .. لكن أمثال بشرى بن حميدة يحشرون أنوفهم داخل المساجد
وينددون بمضمون الخطب التي يجب أن لا تكون سياسية وغاب عنهم أن السياسة تمظهر من
تمظهرات الدين شأنه شأن المجتمع والإقتصاد وكل مظاهر الحياة. بل هي قضية أساسية في
حياة المسلم وله أن يهتم بها ويخصص لها بعض خطبه : ألا يهمنا من يحكمنا وبأي طريقة
يحكمنا بها ؟ أم أنك تريدين يا من تثقين في بن علي أن تقتصر خطب المساجد على آداب
الطهارة وأركان الوضوء؟
ومن المؤسف أن أرى البعض ينددون بالآية الكريمة التي رددها الشيخ مرارا وتكرارا في
المساجد ردا على الحاقدين : "قل موتوا بغيظكم" وكأنها ليست جزءا من
القرآن الكريم يُستشهد به ما دعت الحاجة. ثم هم يخطئون في كتابتها ونقلها ولا
يكلفون أنفسهم التثبت من رسم الظاء فيكتبونها ضادا وما قدروا كلام الله حق قدره. لكن هذا يحيلني إلى
موضوع هام طالما أردت الخوض فيه : كيفية التخاطب مع الناس. هل أن المسلم عليه أن
يخاطب كل الناس ويتعامل معهم في شتى الأحوال بنفس الطريقة؟ أي باللين مثلا؟ لا وألف لا وهو ما يخطئ فيه الكثير لقلة معرفتهم
بأمور دينهم والله تعالى يقول :
لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ
يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ
اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ
أي
أن المسلم ليس لديه أي مشكلة مع غير المسلم ما احترم هذا الأخير عقيدته ولم يؤذه
بأي شكل من الأشكال. بل على المسلم أن يبره ويحسن إليه ولا يظلمه.
ويقول تعالى :
مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ
رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ
اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ
مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ
شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ
لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً
(الفتح
29 )
هذه الآية
تحوصل المسألة وقد نزلت في سورة الفتح فالكفار المقصودون هنا هم من آذوا الرسول
صلى الله عليه وسلم وحاربوا الرسالة وقتلوا الصحابة وخانوا العهد. والمؤمن رحيم مع
أخيه المؤمن شديد مع الكافر المجاهر بالمعاداة للدين وفتن المسلمين.
ويقول تعالى :
يَا
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ
شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ
إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ
(الحجرات
13)
وهذه الآية أهديها إلى من عاب على
الشيخ وجدي قدومه من الشرق وأن تونس لديها علماؤها (من أنتم؟) ومذهبها المالكي كأن
الإمام مالك رحمه الله أصيل باب سويقة ولم يأت من الشرق. الله يوازن بين الناس
بالتقوى وهذا المحامي نصّب نفسه عون تفتيش على الحدود يقبل الناس أو يرفضهم بحسب
جوازات سفرهم وجنسياتهم ولكن الإسلام أعلى وأكبر من أعلامكم والحق أجل وأسمى من أن
يدنسه إعلامكم.
النقطة الثانية إخواني، تعيبون على الشيخ وجدي أن سمى أعداءه العلمانيين المتطرفين
بالكافرين هل علمتم ما معنى كافر؟
الكافر في اللغة
العربية هو المنكر و الجاحد ، و هو أيضاً المنكر للنعمة المتناسي لها ، و هو ضدّ
الشاكر.
أما المراد منه في الشريعة الإسلامية
فهو المقابل للمسلم ، فمن أنكر الأركان العقائدية الثلاثة : التوحيد و النبوة و
المعاد عُدّ كافراً ، و عليه فالكافر يشمل :
1 ـ المُلحد الذي لا يعترف بوجود الله
تعالى .
2 ـ المُشرك ، و هو الذي يعترف بوجود
الله و لكن يُشرك معه في ألوهيته أرباباً آخرين .
3 ـ الوثني ، و هو الذي يعتقد بوجود إله
أو آلهة غير الله سبحانه و تعالى .
4 ـ من أنكر نبوة نبي الإسلام محمد (
صلَّى الله عليه و آله ) أو رسالته .
5 ـ من أنكر المعاد في يوم القيامة
.
6 ـ و ألحَقَ الفقهاء بالكافر من أنكر
ضرورياً ـ أي بديهياً ـ من ضروريات الدين الإسلامي ، كالصلاة و الحج ، مع التفاته
إلى كونه ضرورياً .
وهل
علمتم يا من تتشدقون بمذهب الإمام مالك وتتفيهقون بتاريخ تونس الإسلامي المجيد
(وكأنه يشفع لها في أن تنكر اليوم دينها وتتبرأ من تطبيقه وتحارب من ينادي بإقامة
شرع الله وتنكص على عقبها ) هل علمتم ما حكم تارك الصلاة عند الإمام مالك وغيره؟
فما بالك بمن نادى بفصل الصلاة عن العمل، ما بالك بمن طالب بترك القرآن في البيت وعدم
إقحامه في شؤون حياتنا، ما بالك بمن قال أن الشريعة بدعة ومن زعم أن الرسول صلى
الله عليه وسلم شرب الخمر وماذا نقول على التي حرمت الحجاب وحللت العري واللواط
والقائمة تطول ... ماذا نقول لهؤلاء وقد بارزونا بالعداء وانتهكوا مقدساتنا حتى في
شهر رمضان أتستكثرون عليهم كلمة كفار؟ ألا يستحقون أن يقال لهم موتوا بغيظكم وهم بطبيعتهم
مغتاظون.
خمس
وخمسون عاما ما بكم خجل؟ ولنا ولكم في الشيطان مثل : فهو يِؤمن بالله كرَب خالق
ولكنه يستكبر عن عبادته ولا يقر بألوهيته وذلك هو الكفر بعينه : أن تؤمن بوجود رب
خالق مالك للكون .. ولكنك ترفضه كإله معبود، ترفض الصلاة، ترفض الحجاب وتفتي بأن
الإيمان في القلب في حين أن الحجاب عبادة وامتثال لأمر الله تعالى قبل أن يكون
سترا، تدعو إلى المساواة في الميراث وضرب آيات الله البينات عرض الحائط بل تدعي
أنك أرحم من الرحمان وتستكبر على شرعه الذي أكل عليه الدهر وشرب. تنصّب نفسك إلهً
لنفسك فتعشق عقلك وتعبد فكرك وعبثا تدعي
الحرية وكذبا تدافع عن الديمقراطية لأنك في أول فرصة تدوس على قصورك الرملية
لتحارب من يختلف معك في الرأي والقضية. ولا عجب أن تلجأ في ذلك لجميع الوسائل
الشرعية واللا شرعية بل وتتناقض مع أحب المبادئ إلى قلبك فتكذب وتفتري وتصدر
البيانات الظالمة ضد العلماء.
و بضربة ساحر تجعل من وجود شيخ كوجدي غنيم حبيب
الآلاف المؤلفة من التونسيين نقمة وتحمله مشاكل تونس كلها من البطالة إلى الفقر مرورا
بتراكم الثلوج وغلاء الأسعار وتصوره سببا
للفتنة (شكرا باعث القناة.. نسمة) وكأن التونسيين كانوا متحدين متحابين لا تشوبهم
شائبة فأتى هذا الشيخ المشؤوم ليعكر الصفو ويسبب الانقسام. والحال أننا منذ بداية
الثورة ونحن نعاني من صدامات ايدولوجية بين اليمين واليسار وحرب إعلامية ونفسية مسعورة
على الإسلام حسمتها نوعا ما نتائج الإنتخابات فلم يسلم الشعب من الانتهاكات إذ
نعته بنو علمان بالغباء والجهل فإذا كان هذا سلوكهم مع بني جلدتهم فما بالك بالشيخ
وجدي غنيم؟ وقد تحداهم للقيام بمناظرة تلفزية مباشرة لتقارع الحجة بالحجة في حوار
عقلاني متحضر لكنهم أجبن من ذلك وأعجز من أن يواجهوه ونتيجة ذلك عمّ الصخب المساجد وأعيدت تلك الجملة مرات ومرات
وعلى أن الشيخ استفز المشاعر إلا أنها متأججة بطبيعتها، هي أصوات أخرسها الطاغية
سنين طويلة وأعياها الكبت أزمنة مديدة فبحت الحناجر مع أول قطرة غيث... وعلى من
يمارس التطرف اللائكي ويحارب الدين على مدى خمسين سنة أن يتحمل تبعات ذلك بما فيها
التطرف في الجهة المقابلة.
أخيرا، رغم كل الزوبعة والبروبغندا الإعلامية والفايسبوكية التي أثيرت حول زيارة
الشيخ العزيز علينا والحبيب إلى قلوبنا فإني مسرورة اليوم وأحمد الله حمدا كثيرا
لأن الدكتور الفاضل قام بجولة ناجحة جدا في ربوع تونسنا العزيزة واستقبله الشعب
المسلم أحسن استقبال وأتيحت له فرصة اعتلاء منابرنا وهو ماض في شأنه رغم البيانات
والتنديدات، رغم الداء والأعداء ورغم نباح الكلاب وعواء الجبناء.
قال
تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ
يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ
وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
(المائدة:54)
أرجو
أن يكون شيخنا منهم...
كلمة
أخيرة للمسلمين الذين تهاونوا بنعته بأجرأ النعوت:
عن
عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-:
"ليس منا من لم يُجِل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه"
حديث حسن، رواه أحمد في مسنده، والحاكم في المستدرك.
و في
الحديث عن الإمام الصادق أبي عبد الله عليه السلام قال: "ثلاثة لا يجهل حقّهم
إلّا منافق معروف بالنفاق: ذو الشيبة في الإسلام، وحامل القران، والإمام العادل ".
والشيخ
وجدي ذو شيبة في الإسلام وحامل للقرآن فاتقوا الله ولا تظلموا أنفسكم، لكم أن تعبروا
عن اختلافكم معه ولكن بالتي هي أحسن.
والسلام
عليكم ورحمة الله وبركاته.